البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٧٦
وقال السدي : هم أبو سفيان وأصحابه من عباد الأوثان. وقال الحسن أيضا : هو كعب وأصحابه. وقال أبو بكر الرّازي : فيها دلالة على النهي عن طاعة الكفار مطلقا، لكن أجمع المسلمون على أنه لا يندرج تحته من وثقنا بنصحه منهم، كالجاسوس والخرّيت الذي يهدي إلى الطريق، وصاحب الرأي ذي المصلحة الظاهرة، والزوجة تشير بصواب.
والردة هنا على العقب كناية عن الرجوع إلى الكفر. وخاسرين : أي مغبونين ببيعكم الآخرة.
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ بل : لترك الكلام الأول من غير إبطال وأخذ في كلام غيره.
والمعنى : ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء، بل اللّه مولاكم. وقرأ الحسن : بنصب الجلالة على معنى : بل أطيعوا اللّه، لأن الشرط السابق يتضمن معنى النهي، أي لا تطيعوا الكفار فتكفروا، بل أطيعوا اللّه مولاكم.
وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ لما ذكر أنه مولاهم، أي ناصرهم ذكر أنّه خير ناصر لا يحتاج معه إلى نصرة أحد، ولا ولايته. وفي هذا دلالة على أن من قاتل لنصر دين اللّه لا يخذل ولا يغلب لأن اللّه مولاه. وقال تعالى : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ «١» إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ «٢».
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ أي هؤلاء الكفار، وإن كانوا ظاهرين عليكم يوم أحد فإنا نخذلهم بإلقاء الرعب في قلوبهم. وأتى بالسين القريبة الاستقبال، وكذا وقع. ألقى اللّه في قلوبهم الرّعب يوم أحد فانهزموا إلى مكة من غير سبب من المسلمين، ولهم إذ ذاك القوة والغلبة. وقيل : ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا ببعض الطريق قالوا : ما صنعنا شيئا، قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى اللّه الرّعب في قلوبهم فأمسكوا. والإلقاء حقيقة في الإجرام، واستعير هنا للجعل، ونظيره : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «٣» ومثله قول الشاعر :
هما نفثا في فيّ من فويهما على النابح العاوي أشد رجام
وقرأ الجمهور : سنلقي بالنون، وهو مشعر بعظم ما يلقى، إذ أسنده إلى المتكلم بنون العظمة. وقرأ أيوب السختياني : سيلقي بالياء جريا على الغيبة السابقة في قوله :
وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ وقدم في قلوبهم : وهو مجرور على المفعول للاهتمام بالمحل
(١) سورة محمد : ٤٧/ ٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٦.
(٣) سورة النور : ٢٤/ ٤.