البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٧٩
عبيد بن عمير تحسونهم رباعيا من الإحساس، أي تذهبون حسهم بالقتل. وتمني القتل بوقت الفشل وهو : الجبن، والضعف.
والتنازع وهو التجاذب في الأمر. وهذا التنازع صدر من الرماة. كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد رتب الرماة على فم الوادي وقال :«اثبتوا مكانكم، وإن رأيتمونا هزمناهم، فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم»
ووعدهم بالنصر إن انتهوا إلى أمره. فلما انهزم المشركون قال بعض الرماة : قد انهزموا فما موقفنا هنا؟ الغنيمة الغنيمة، الحقوا بالمسلمين. وقال بعضهم : بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقيل : التنازع هو ما صدر من المسلمين من الاختلاف حين صيح أن محمدا قد قتل.
والعصيان هو ذهاب من ذهب من الرماة من مكانه طلبا للنهب والغنيمة، وكان خالد حين رأى قلة الرماة صاح في خيله وحمل على من بقي من الرماة فقتلهم، وحمل على عسكر المسلمين فتراجع المشركون، فأصيب من المسلمين يومئذ سبعون رجلا.
مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، وهو ظفر المؤمنين وغلبتهم. قال الزبير بن العوام : لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا.
وإذا في قوله : إذا فشلتم، قيل : بمعنى إذ، وحتى حرف جر ولا جواب لها إذ ذاك، ويتعلق بتحسونهم أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت. وقيل : حتى حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية، كما تدخل على جمل الابتداء والجواب ملفوظ به وهو قوله : وتنازعتم على زيادة الواو، قاله : الفراء وغيره. وثم صرفكم على زيادة ثم، وهذان القولان واللذان قبلهما ضعاف. والصحيح : أنه محذوف لدلالة المعنى عليه، فقدره ابن عطية : انهزمتم.
والزمخشري : منعكم نصره، وغيرهما : امتحنتم. والتقادير متقاربة. وحذف جواب الشرط لفهم المعنى جائز لقوله تعالى : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ «١» تقديره فافعل ويظهر أن الجواب المحذوف غير ما قدروه وهو :
انقسمتم إلى قسمين. ويدل عليه ما بعده، وهو نظير : فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ «٢» التقدير : انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد لا يقال : كيف، يقال : انقسموا فيمن
(١) سورة الأنعام : ٦/ ٣٥.
(٢) سورة لقمان : ٣١/ ٣٢.