البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٩٤
ونصب طائفة على أن تكون المسألة من باب الاشتغال على هذا التقدير من الإعراب جائز. ويجوز أن يكون قد أهمتهم في موضع الصفة، ويظنون الخبر. ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، والجملتان صفتان، التقدير : ومنكم طائفة. ويجوز أن يكون يظنون حالا من الضمير في أهمتهم، وانتصاب غير الحق. قال أبو البقاء : على أنه مفعول أول لتظنون، أي أمرا غير الحق، وباللّه الثاني. وقال الزمخشري : غير الحق في حكم المصدر، ومعناه :
يظنون باللّه ظن الجاهلية، وغير الحق تأكيد ليظنون كقولك : هذا القول غير ما تقول، وهذا القول لا قولك، انتهى. فعلى هذا لم يذكر ليظنون مفعولين، وتكون الباء ظرفية كما تقول :
ظننت بزيد. وإذا كان كذلك لم تتعد ظننت إلى مفعولين، وإنما المعنى : جعلت مكان ظني زيدا. وقد نص النحويون على هذا. وعليه :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في السائريّ المسرد
أي : اجعلوا مكان ظنكم ألفي مدجج. وانتصاب ظن على أنه مصدر تشبيهي، أي :
ظنا مثل ظن الجاهلية. ويجوز في : يقولون أن يكون صفة، أو حالا من الضمير في يظنون، أو خبرا بعد خبر على مذهب من يجيز تعداد الأخبار في غير ما اتفقوا على جواز تعداده.
ومن شيء في موضع مبتدأ، إذ من زائدة، وخبره في لنا، ومن الأمر في موضع الحال، لأنه لو تأخر عن شيء لكان نعتا له، فيتعلق بمحذوف. وأجاز أبو البقاء أن يكون من الأمر هو الخبر، ولنا تبيين وبه تتم الفائدة كقوله تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «١» وهذا لا يجوز :
لأن ما جاء للتبيين العامل فيه مقدر، وتقديره : أعني لنا هو من جملة أخرى، فيبقى المبتدأ والخبر جملة لا تستقل بالفائدة، وذلك لا يجوز. وأما تمثيله بقوله : ولم يكن له كفوا أحد فهما لا سواء، لأن له معمول لكفوا، وليس تبيينا. فيكون عامله مقدرا، والمعنى : ولم يكن أحد كفوا له، أي مكافيا له، فصار نظير لم يكن له ضار بالعمرو، فقوله : لعمرو ليس تبيينا، بل معمولا لضارب. وقرأ الجمهور كله بالنصب تأكيدا للأمر. وقرأ أبو عمر : وكله على أنه مبتدأ، ويجوز أن يعرب توكيدا للأمر على الموضع على مذهب من يجيز ذلك وهو : الجرمي، والزجاج، والفراء. قال ابن عطية : ورجح الناس قراءة الجمهور، لأن التأكيد أملك بلفظة كلّ انتهى. ولا ترجيح، إذ كل من القراءتين متواتر، والابتداء بكل كثير في لسان العرب.

_
(١) سورة الإخلاص : ١١٢/ ٤.


الصفحة التالية
Icon