البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٩٦
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ «١» وبعضهم يسميه : المذهب الكلامي.
ومنه قول الشاعر :
جرى القضاء بما فيه فإن تلم فلا ملام على ما خط بالقلم
وكتب : بمعنى فرض، أو قضى وحتم، أو خط في اللوح، أو كتب ذلك الملك عليهم وهم أجنة، أقوال. ومعنى الآية : أنه لو تخلفتم في البيوت لخرج من حتم عليه القتل إلى مكان مصرعه فقتل فيه، وهذا رد على قول معتب، ودليل على أن كل امرئ له أجل واحد لا يتعداه. فإن قيل : فهو الأجل الذي سبق له في الأزل وإلّا مات لذلك الأجل، ولا فرق بين موته وخروج روحه بالقتل، أو بأي أسباب المرض، أو فجأه من غير مرض هو أجل واحد لكل امرئ وإن تعددت الأسباب. وقد تكلم الزمخشري هنا بألفاظ مسهبة على عادته. فقال : لو كنتم في بيوتكم يعني - من علم اللّه أنه يقتل ويصرع في هذه المصارع - وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، لم يكن بد من وجوده. فلو قعدتم في بيوتكم لبرز من بينكم الذين علم اللّه أنهم يقتلون إلى مضاجعهم وهي مصارعهم، ليكون ما علم أنه يكون. والمعنى : أن اللّه كتب في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين، وكتب مع ذلك أنهم الغالبون لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله. وإنما ينكبون به في بعض الأوقات. تمحيص لهم، وترغيب في الشهادة، وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة. انتهى كلامه. وهو نوع من الخطابة والمعنى في الآية واضح جدا لا يحتاج إلى هذا التطويل.
وقرأ الجمهور : لبرز، ثلاثيا مبنيا للفاعل. أي لصاروا في البراز من الأرض. وقرأ أبو حيوة : لبرّز مبنيا للمفعول مشدّد الراء، عدي برز بالتضعيف. وقرأ الجمهور : كتب مبنيا للمفعول، ورفع القتل. وقرىء : كتب مبنيا للفاعل، ونصب القتل. وقرأ الحسن والزهري :
القتال مرفوعا. وتحتمل هذه القراءة الاستغناء عن المنافقين، أي : لو تخلفتم أنتم لبرز المطيعون المؤمنون الذين فرض عليهم القتال، وخرجوا طائعين إلى مواضع استشهادهم، فاستغنى بهم عنكم.
وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ تقدم معنى الابتلاء والتمحيص. فقيل : المعنى إنّ اللّه فرض عليكم القتال ولم ينصركم يوم أحد ليختبر
(١) سورة يس : ٣٦/ ٨١.