البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٠٠
وكان قولا باطلا واعتقادا فاسدا نهى تعالى المؤمنين أنّ يكونوا مثلهم في هذه المقالة الفاسدة والاعتقاد السيّء. وهو أن من سافر في تجارة ونحوها فمات، أو قاتل فقتل، لو قعد في بيته لعاش ولم يمت في ذلك الوقت الذي عرض نفسه للسفر فيه أو للقتال، وهذا هو معتقد المعتزلة في القول بالأجلين، والكفار القائلون. قيل : هو عام، أي اعتقاد الجميع هذا قاله : ابن إسحاق وغيره، أو عبد اللّه بن أبي وأصحابه سمع منهم هذا القول قاله :
مجاهد والسدي وغيرهما، أو هو ومعتب وجدّ بن قيس وأصحابهم.
واللام في : لإخوانهم لام السبب، أي لأجل إخوانهم. وليست لام التبليغ، نحو :
قلت لك. والإخوة هنا إخوة النسب، إذ كان قتلى أحد من الأنصار وأكثرهم من الخزرج، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة. وقيل : خمسة. ويكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريب، أو بعيد، أو إخوة المعتقد والتآلف، كقوله» فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً «١» وقال :
صفحنا عن بني ذهل وقلنا القوم إخوان
والضرب في الأرض : الإبعاد فيها، والذهاب لحاجة الإنسان. وقال السدي :
الضرب هنا السير في التجارة. وقال ابن إسحاق : السير في الطاعات.
وإذا ظرف لما يستقبل. وقالوا : ماض، فلا يمكن أن يعمل فيه. فمنهم من جرده عن الاستقبال وجعله لمطلق الوقت بمعنى حين، فاعمل فيه قال : وقال ابن عطية : دخلت إذا وهي حرف استقبال من حيث الذين اسم فيه إبهام يعم من قال في الماضي، ومن يقول في المستقبل، ومن حيث هذه النازلة تتصور في مستقبل الزمان. قال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف قيل إذا ضربوا في الأرض مع قالوا؟ (قلت) : هو حكاية الحال الماضية، كقولك : حين تضربون في الأرض انتهى كلامه. ويمكن إقرار إذا على ما استقر لها من الاستقبال، والعامل فيها مضاف مستقبل محذوف، وهو لا بد من تقدير مضاف غاية ما فيه أنّا نقدره مستقبلا حتى يعمل في الظرف المستقبل، لكن يكون الضمير في قوله : لو كانوا عائدا على إخوانهم لفظا، وعلى غيرهم معنى، مثل قوله تعالى : وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ «٢» وقول العرب : عندي درهم ونصفه. وقول الشاعر :
قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا ونصفه فقد

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٠٣.
(٢) سورة فاطر : ٣٥/ ١١.


الصفحة التالية
Icon