البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٠٢
أبى الذمّ أخلاق الكسائي وانتحى به المجد أخلاق الأبوّ السوابق
يريد الأبوة. جمع أب، كما أن العمومة جمع عم، والبنوّة جمع ابن. وقد قالوا : ابن وبنوّ انتهى. وقوله : وهذا الحذف كثير في كلامهم ليس كما ذكر، بل لا يوجد مثل رام ورمى، ولا حام وحمى، يريد : رماة وحماة. وإن أراد حذف التاء من حيث الجملة كثير في كلامهم فالمدعي إنما هو الحذف من فعله، ولا نقول أنّ الحذف - أعني حذف التاء - كثير في كلامهم، لأنه يشعر أن بناء الجمع جاء عليها، ثم حذفت كثيرا وليس كذلك، بل الجمع جاء على فعول نحو : عم وعموم، وفحل وفحول، ثم جيء بالتاء لتأكيد معنى الجمع، فلا نقول في عموم : أنه حذفت منه التاء كثيرا لأن الجمع لم يبن عليها، بخلاف قضاة ورماة فإن الجمع بني عليها. وإنما تكلف النحويون لدخولها فيما كان لا ينبغي أن تدخل فيه، إنّ ذلك على سبيل تأكيد الجمع، لمّا رأوا زائدا لا معنى له ذكروا أنّه جاء بمعنى التوكيد، كالزوائد التي لا يفهم لها معنى غير التأكيد.
وأمّا البيت فالذي يقوله النحويون فيه : أنه مما شذ جمعه ولم يعل، فيقال فيه : أبي كما قالوا : عصى في عصا، وهو عندهم جمع على فعول، وليس أصله أبوه. ولا يجمع ابن على بنوّة، وإنما هما مصدران. والجملة من لو وجوابها هي معمول القول فهي في موضع نصب على المفعول، وجاءت على نظم ما بعد إذا من تقديم نفي الموت على نفي القتل، كما قدم الضرب على الغزو. والضمير في : لو كانوا، هو لقتلى أحد، قاله : الجمهور. أو للسرية الذين قتلوا ببئر معونة قاله : بكر بن سهل الدمياطي. وقرأ الجمهور : وما قتلوا بتخفيف التاء. وقرأ الحسن :
بتشديدها للتكثير في المحال، لا بالنسبة إلى محل واحد، لأنه لا يمكن التكثير فيه.
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ اختلفوا في هذه اللام فقيل : هي لام كي.
وقيل : لام الصيرورة. فإذا كانت لام كي فبما ذا تتعلق، ولما ذا يشار بذلك؟ فذهب بعضهم : إلى أنّها تتعلق بمحذوف يدل عليه معنى الكلام وسياقه، التقدير : أوقع ذلك، أي القول والمعتقد في قلوبهم ليجعله حسرة عليهم. وإنما احتيج إلى تقدير هذا المحذوف لأنه لا يصح أن تتعلق اللام على أنها لام كي يقال : لأنهم لم يقولوا تلك المقالة ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم، فلا يصح ذلك أن يكون تعليلا لقولهم، وإنما قالوا ذلك تثبيطا للمؤمنين عن الجهاد. ولا يصح أن يتعلق بالنهي وهو : لا يكونوا كالذين كفروا. لأن جعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم، لا يكون سببا لنهي اللّه المؤمنين عن مماثلة الكفار.


الصفحة التالية
Icon