البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٢١
منهم يوم أحد سبعون رجلا. وقال الجمهور : هو مخالفة الرسول في الرأي حين رأى أن يقيم بالمدينة ويترك الكفار بشر مجلس، فخالفوا وخرجوا حتى جرت القصة. وقالت طائفة منهم ابن عباس، ومقاتل : هو عصيان الرماة وتسبيبهم الهزيمة على المؤمنين. وقد لخص الزمخشري هذه الأقوال الثلاثة أحسن تلخيص. فقال : المعنى أنتم السبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز. وعن عليّ : لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم
انتهى. ولم يعين اللّه تعالى السبب ما هو لطفا بالمؤمنين في خطابه تعالى لهم. والظاهر في قوله :«أنّى هذا» «١» هو من سؤال المؤمنين على سبيل التعجب.
وذكر الرازي أن اللّه لما حكي عن المنافقين طعنهم في الرسول بأن نسبوه إلى الغلول والخيانة، حكى عنهم شبهة أخرى في هذه الآية وهي قولهم : لو كان رسولا من عند اللّه لما انهزم عسكره يوم أحد، وهو المراد من قولهم : أنّى هذا. فأجاب عنه بقوله : قل هو من عند أنفسكم، أي هذا الانهزام إنما حصل بشؤم عصيانكم انتهى كلامه. ودل على أن قوله :
أنى هذا من كلام المنافقين. وقال الماتريدي أيضا : إنّه من كلام المنافقين. والظاهر ما قلناه أنه من كلام المؤمنين، وهم المخاطبون بقوله : أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ «٢» لأن المنافقين لم تصبهم مصيبة، لأنهم رجعوا مع عبد اللّه بن أبي ولم يحضروا القتال، إلا أن تجوز في قوله : أصابتكم مصيبة بمعنى أصابت أقرباءكم وإخوانكم، فهو يمكن على بعد.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي قادر على النصر، وعلى منعه، وعلى أن يصيب بكم تارة، ويصيب منكم أخرى. ونبه بذلك على أن ما أصابهم كان لوهن في دينهم، لا لضعف في قدرة اللّه، لأن من هو قادر على كل شيء هو قادر على دفاعهم على كل حال.
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ هو يوم أحد. والجمعان، جمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكفار قريش، والخطاب للمؤمنين. وما موصولة مبتدأ، والخبر قوله : فبإذن اللّه، وهو على إضمار أي : فهو بإذن اللّه. ودخول الفاء هنا. قال الحوفي : لما في الكلام من معنى الشرط لطلبته للفعل. وقال ابن عطية : ودخلت الفاء رابطة مسددة. وذلك للإبهام الذي في ما فأشبه الكلام الشرط، وهذا كما قال سيبويه : الذي قام فله درهمان، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء انتهى كلامه. وهو أحسن من كلام الحوفي، لأن

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٦٥.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٦٥.


الصفحة التالية
Icon