البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٢٥
وبمن، فيقال : زيد أقرب لكذا، وإلى كذا، ومن كذا من عمرو. فمن الأولى ليست التي يتعدى بها افعل التفضيل مطلقا في نحو : زيد أفضل من عمرو. وحرفا الجر هنا يتعلقان بأقرب، وهذا من خواص أفعل التفضيل إنه يتعلق به حرفا جر من جنس واحد، وليس أحدهما معطوفا على الآخر. ولا بدلا منه بخلاف سائر العوامل، فإنه لا يتعلق به حرفا جر من جنس واحد إلا بالعطف، أو على سبيل البدل. فتقول : زيد بالنحو أبصر منه بالفقه.
والعامل في يومئذ أقرب. ومنهم متعلق بأقرب أيضا، والجملة المعوض منها التنوين هي السابقة، أي : هم قوم إذ قالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم. وذهب بعض المفسرين فيما حكى النقاش : إلى أن أقرب ليس هو هنا المقابل للأبعد، وإنما هو من القرب بفتح القاف والراء وهو المطلب، والقارب طالب الماء، وليلة القرب ليلة الوداد، فاللفظة بمعنى الطلب. ويتعين على هذا القول التعدية باللام، ولا يجوز أن تعدّى بإلى ولا بمن التي لا تصحب كل أفعل التفضيل، وصار نظير زيد أقرب لعمرو من بكر. وأكثر العلماء على أن هذه الجملة تضمنت النص على كفرهم. قال الحسن : إذا قال اللّه : أقرب، فهو اليقين بأنهم مشركون. كقوله :«مائة ألف أو يزيدون» «١» فالزيادة لا شك فيها، والمكلف لا ينفك عن الكفر أو الإيمان. فلما دلت على الأقربية من الكفر لزم حصول الكفر.
وقال الواحدي في الوسيط : هذه الآية دليل على أنّ من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر، لأنه تعالى لم يطلق القول عليهم بتكفيرهم مع أنهم كانوا كافرين مع إظهارهم لقول : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. قال الماتريدي : أقرب أي ألزم على الكفر، وأقبل له مع وجود الكفر منهم حقيقة، لا على القرب إليه قبل الوقوع والوجود لقوله : إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «٢» أي هي لهم لا على القرب قبل الوجود، لكنهم لما كانوا أهل نفاق والكفر لم يفارق قلوبهم وما كان من إيمانهم، كان بظاهر اللسان قد يفارقها في أكثر أوقاتهم، وصفوا به. ويحتمل أن يحمل على القرب من حيث كانوا شاكين في الأمر، والشاك في أمر الكفر والإيمان تارك للإيمان، فهو أقرب إلى الكفر. أو من حيث قالوا للمؤمنين :«ألم نكن معكم» «٣» وللكافرين :«ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين» «٤» أو من حيث ما أظهروا من الإيمان كذب، والكفر نفسه كذب. فما أظهروا من الإيمان فهو

_
(١) سورة الصافات : ٣٧/ ١٤٧.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٥٦.
(٣) سورة النساء : ٤/ ١٤١.
(٤) سورة النساء : ٤/ ١٤١.


الصفحة التالية
Icon