البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٣١
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وهم : جميع المؤمنين، أي :
يحصل لهم البشرى بانتفاء الخوف والحزن عن إخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم في الشهادة، فهم فرحون بما حصل لهم، مستبشرون بما يحصل لإخوانهم المؤمنين قاله :
الزجاج وابن فورك وغيرهما. وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم : هم الشهداء الذين يأتونهم بعد من إخوانهم المؤمنين الذين تركوهم يجاهدون فيستشهدون، فرحوا لأنفسهم ولمن يلحق بهم من الشهداء، إذ يصيرون إلى ما صاروا إليه من كرامة اللّه تعالى.
قال ابن عطية : وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة، بل هي بمعنى استغنى اللّه واستمجد المرخ والعفار. انتهى كلامه. أما قوله : ليست بمعنى طلب البشارة فصحيح، وأما قوله : بل هي بمعنى استغنى اللّه واستمجد المرخ والعفار، فيعني أنها تكون بمعنى الفعل المجرد كاستغنى بمعنى غني، واستمجد بمعنى مجد، ونقل أنه يقال : بشر الرجل بكسر الشين، فيكون استبشر بمعناه. ولا يتعين هذا المعنى، بل يجوز أن يكون مطاوعا لأفعل، وهو الأظهر أي : أبشره اللّه فاستبشر، كقولهم : أكانه فاستكان، وأشلاه فاستشلى، وأراحه فاستراح، وأحكمه فاستحكم، وأكنه فاستكنّ، وأمرّه فاستمرّ، وهو كثير. وإنما كان هذا الأظهر هنا، لأنه من حيث المطاوعة يكون منفعلا عن غيره، فحصلت له البشرى بابشار اللّه له بذلك. ولا يلزم هذا المعنى إذا كان بمعنى المجرد، لأنه لا يدل على المطاوعة. ومعنى : من خلفهم، قد بقوا بعدهم، وهم قد تقدّموهم إذا كان المعنى بالذين لم يلحقوا الشهداء، وإن كان المعنيّ بهم المؤمنين فمعنى لم يلحقوا بهم أي : لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم.
أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وجوزوا في إعراب ويستبشرون أن يكون معطوفا على فرحين ومستبشرين كقوله :«صافات ويقبضن» «١» أي قابضات وأن يكون على إضمارهم. والواو للحال، فتكون حالية من الضمير في فرحين، أو من ضمير المفعولين في آتاهم، أو للعطف. ويكون مستأنفا من باب عطف الجملة الاسمية أو الفعلية على نظيرها.
وإن هي المخففة من الثقيلة، واسمها محذوف ضمير الشأن، وخبرها الجملة المنفية بلا. وإن ما بعدها في تأويل مصدر مجرور على أنه بدل اشتمال من الذين، فيكون هو المستبشر به في الحقيقة. أو منصوب على أنه مفعول من أجله، فيكون علة للاستبشار،

_
(١) سورة الملك : ٦٧/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon