البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٤١
سفيان انتهى كلامه. فعلى هذا القول تكون الجملة لا موضع لها من الإعراب. وإنما قال :
والمراد بالشيطان نعيم، أو أبو سفيان، لأنه لا يكون صفة، والمراد به إبليس. لأنه إذا أريد به إبليس كان إذ ذاك علما بالغلبة، إذ أصله صفة كالعيوق، ثم غلب على إبليس، كما غلب العيوق على النجم الذي ينطلق عليه.
وقال ابن عطية : وذلكم في الإعراب ابتداء، والشيطان مبتدأ آخر، ويخوف أولياءه خبر عن الشيطان، والجملة خبر الابتداء الأوّل. وهذا الإعراب خبر في تناسق المعنى من أن يكون الشيطان خبر ذلكم، لأنه يجيء في المعنى استعارة بعيدة انتهى. وهذا الذي اختاره إعراب لا يجوز، إن كان الضمير في أولياءه عائدا على الشيطان، لأن الجملة الواقعة خبرا عن ذلكم ليس فيها رابط يربطها بقوله : ذلكم، وليست نفس المبتدأ في المعنى نحو قولهم : هجيري أبي بكر لا إله إلا اللّه، وإن كان عائدا على ذلكم، ويكون ذلك عن الشيطان جاز، وصار نظير : إنما هند زيد يضرب غلامها والمعنى : إذ ذاك، إنما ذلكم الركب، أو أبو سفيان الشيطان يخوفكم أولياءه، أي : أولياء الركب، أو أبي سفيان.
والضمير المنصوب في تخافوهم الظاهر عوده على أولياءه، هذا إذا كان المراد بقوله :
أولياءه كفار قريش، وغيرهم من أولياء الشيطان. وإن كان المراد به المنافقين، فيكون عائدا على الناس من قوله : إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «١» قوى نفوس المسلمين فنهاهم عن خوف أولياء الشيطان، وأمر بخوفه تعالى، وعلق ذلك على الإيمان. أي إنّ وصف الإيمان يناسب أن لا يخاف المؤمن إلا اللّه كقوله : وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ «٢» وأبرز هذا الشرط في صفة الإمكان، وإن كان واقعا إذ هم متصفون بالإيمان، كما تقول : إن كنت رجلا فافعل كذا. وأثبت أبو عمرو ياء وخافون وهي ضمير المفعول، والأصل الإثبات.
ويجوز حذفها للوقف على نون الوقاية بالسكون، فتذهب الدلالة على المحذوف وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً لما نهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان، وأمرهم بخوفه وحده تعالى، نهى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحزن لمسارعة من سارع في الكفر. والمعنى : لا يتوقع حزنا ولا ضررا منهم، ولذلك علله بقوله : إنهم لن يضروا اللّه شيئا، أي : لن يضروا نبي اللّه والمؤمنين. والمنفي هنا ضرر خاص، وهو إبطال الإسلام وكيده حتى يضمحلّ، فهذا لن يقع أبدا، بل أمرهم يضمحل ويعلو أمرك عليهم.

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٧٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٣٩.


الصفحة التالية
Icon