البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٤٦
وقال الزمخشري : والإملاء لهم تحليتهم، وشأنهم مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء. وقيل : هو إمهالهم وإطالة عمرهم، والمعنى : أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم، إنّما نملي لهم جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها، كأنه قيل : ما بالهم يحسبون الإملاء خيرا لهم، فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما. (فإن قلت) : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضا للّه تعالى في إملائه لهم؟ (قلت) : هو علة الإملاء، وما كلّ علة بغرض. ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة، وخرجت من البلد لمخافة الشرّ، وليس شيء منها بغرض لك، وإنما هي علل وأسباب. فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإملاء، وسببا فيه. (فإن قلت) : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء، كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ (قلت) : لمّا كان في علم اللّه المحيط بكلّ شيء أنّهم مزدادون إثما، فكان الإملاء وقع لأجله وبسببه على طريق المجاز انتهى كلامه. وكله جار على طريقة المعتزلة. وقال الماتريدي : المعتزلة تناولوها على وجهين : أحدهما : على التقديم والتأخير. أي : ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادو إثما، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. الثاني : أنّ هذا إخبار منه سبحانه وتعالى عن حسبانهم فيما يؤول إليه أمرهم في العاقبة، بمعنى أنهم حسبوا أن إمهالهم في الدّنيا وإصابتهم الصحة والسلامة والأموال خير لأنفسهم في العاقبة، بل عاقبة ذلك شرّ. وفي التأويل الأول إفساد النظم، وفي الثاني تنبيه على من لا يجوز تنبيهه. فإنّ الإخبار عن العاقبة يكون لسهو في الابتداء أو غفله، والعالم في الابتداء لا ينبه نفسه انتهى كلامه. وكتبوا ما متصلة بأن في الموضعين. قيل : وكان القياس الأولى في علم الخط أن تكتب مفصولة، ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا تخالف، ونتبع سنة الإمام في المصاحف.
وأما الثانية، فحقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون العمل، ولا يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي. ولا مصدرية، لأن لام كي لا يصحّ وقوعها خبر للمبتدأ ولا لنواسخه. وقيل : اللام في ليزدادوا للصيرورة. وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ هذه الواو في : ولهم، للعطف. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فما معنى قوله :
ولهم عذاب مهين على هذه القراءة، يعني قراءة يحيى بن وثاب بكسر إنما الأولى وفتح الثانية؟ (قلت) : معناه ولا تحسبوا أن إملاءنا لزيادة الإثم وللتعذيب، والواو للحال. كأنه قيل : ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين انتهى. والذين نقلوا قراءة يحيى لم يذكروا أن أحدا قرأ الثانية بالفتح إلا هو، إنما ذكروا أنه قرأ الأولى بالكسر. ولكنّ الزمخشري من ولوعه بنصرة مذهبه يروم رد كل شيء إليه. ولما قرر في هذه القراءة أنّ المعنى على نهي


الصفحة التالية
Icon