البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٤٨
قلوبهم كبذل الأرواح في الجهاد، وإنفاق الأموال في سبيل اللّه، فيجعل ذلك عيارا على عقائدكم، وشاهدا بضمائركم، حتى يعلم بعضكم ما في قلب بعض من طريق الاستدلال، لا من جهة الوقوف على ذات الصدور والاطلاع عليها، فإنّ ذلك مما استأثر اللّه به انتهى.
ومعنى هذا القول لابن كيسان. قال ابن كيسان : المعنى ما يذركم على الإقرار حتى يختبركم بالشرائع والتكاليف، فأخذه الزمخشري والقول الذي قبله ونمقهما ببلاغته وحسن خطابته.
وقيل : المعنى ما كان اللّه ليذر أولادكم الذين حكم عليهم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك حتى يفرق بينكم وبينهم. وقيل : كانوا يستهزؤون بالمؤمنين سرا فقال : لا يدعكم على ما أنتم عليه من الطعن فيهم والاستهزاء، ولكن يمتحنكم لتفتضحوا ويظهر نفاقكم عندهم، لا في دار واحدة، ولكن يجعل لهم دارا أخرى يميز فيها الخبيث من الطيب، فيجعل الخبيث في النار، والطيب في الجنة. والخبيث الكافر، والطيب المؤمن، وتمييزه بالهجرة والجهاد. وقال مجاهد : الطيب المؤمن، والخبيث المنافق، ميز بينهما يوم أحد.
وقيل : الخبيث الكافر، والطيب المؤمن، وتمييزه بإخراج أحدهما من صلب الآخر. وقيل :
تمييز الخبيث هو إخراج الذنوب من إحياء المؤمنين بالبلايا والرزايا. وقيل : الخبيث العاصي، والطيب المطيع، والألف واللام في الخبيث والطيب للجنس أو للعهد، إذ كان المعهود في ذلك الوقت أن الخبيث هو الكافر والطيب هو المؤمن كما قال : الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ «١» الآية.
واللام في قوله : ليذر هي المسماة لام الجحود، وهي عند الكوفيين زائدة لتأكيد النفي، وتعمل بنفسها النصب في المضارع. وخبر كان هو الفعل بعدها فتقول : ما كان زيد يقوم، وما كان زيد ليقوم، إذا أكدت النفي. ومذهب البصريين أنّ خبر كان محذوف، وأن النصب بعد هذه اللام بأن مضمرة واجبة الإضمار، وأنّ اللام مقوية لطلب ذلك المحذوف لما بعدها، وأنّ التقدير : ما كان اللّه مريدا ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه، أي : ما كان مريدا لترك المؤمنين. وقد تكلمنا على هذه المسألة في كتابنا المسمى بالتكميل في شرح التسهيل.
(١) سورة النور : ٢٤/ ٢٦.