البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٥
وقيل : الخطاب للكافرين، وهو ظاهر، ولا سيما على قراءة من قرأ : ستغلبون، بالتاء. ويخرج ذلك من قول ابن عباس، وعلى هذا يكون ذلك تخويفا لهم، وإعلاما بأن اللّه سينصر دينه. وقد أراكم في ذلك مثالا بما جرى لمشركي قريش من الخذلان والقتل والأسر.
وقيل : الخطاب لليهود، قاله الفراء، وابن الأنباري وابن جرير، وعلى هذا يكون ذلك تخويفا لهم، كأنه قيل : لا تغتروا بدربتكم في الحرب، ومنعة حصونكم، ومجالبتكم لمشركي قريش، فإن اللّه غالبكم، وقد علمتم ما حل بأهل بدر، ولم يلحق التاء : كان، وإن كان قد أسند إلى مؤنث، وهو الآية، لأجل أنه تأنيث مجازي. وازداد حسنا بالفصل، وإذا كان الفصل محسنا في المؤنث الحقيقي، فهو أولى في المؤنث المجازي، ومن كلامهم : حضر القاضي امرأة. وقال :
إن امرأ غره منكن واحدة بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
وقيل : ذكر لأن معنى الآية البيان، فهو كما قال :
برهرهة رودة رخصة كخرعوبة البانة المنفطر
ذهب إلى القضيب، وفي قوله فِي فِئَتَيْنِ محذوف تقديره في : قصة فئتين، ومعنى : التقتا، أي للحرب والقتال.
فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ أي : فئة مؤمنة تقاتل في سبيل اللّه، وفئة أخرى تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبتت مقابله في الثانية، ومن الثانية ما أثبت نظيره في الأولى، فذكر في الأولى لازم الإيمان، وهو القتال في سبيل اللّه. وذكر في الثانية ملزوم القتال في سبيل الشيطان، وهو الكفر.
والجمهور برفع : فئة، على القطع، التقدير : إحداهما، فيكون : فئة، على هذا خبر مبتدأ محذوف، أو التقدير : منهما، فيكون مبتدأ محذوف الخبر.
وقيل : الرفع على البدل من الضمير في التقتا.
وقرأ مجاهد، والحسن، والزهري وحميد : فئة، بالجر على البدل التفصيلي، وهو بدل كل من كل، كما قال :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلّت