البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٦١
والنجاة من الشرّ على التنحية من النار ودخول الجنة، لأن من لم ينح عن النار بل أدخلها، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر. ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب الأعراف، لم يفز أيضا. وروي في الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه، قيل : فاز معناه نجا. وقيل : سبق.
وقيل : غنم.
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ المتاع : ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك. وفسّره عكرمة : بالفأس، والقصعة، والقدر. وفسره الحسن فقال : هو كخضرة النبات، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب، ويمر مرّ السحاب، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل. قال الزمخشري : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، ثم يتبين له فساده ورداءته، والشيطان هو المدلس. الغرور انتهى. وقال سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. وقال عكرمة أيضا : متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد، فكذلك أمر الدنيا كله. وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل.
وقال عبد الرحمن بن سابط : متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن، يعني : أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره.
ومن كلام العرب عش ولا تغتر. أي : لا تجتزىء بما لا يكفيك. وقال ابن عرفة : الغرور ما رأيت له ظاهرا حسنا وله باطن مكروه أو مجهول، والشيطان غرور لأنه يحمل على مخبآت الناس ووراء ذلك ما يسوء. قال : ومن هذا بيع الغرور، وهو ما كان له ظاهر بيع وباطن مجهول. وقال أبو مسلم الأصبهاني : وما الحياة الدنيا بحذف المضاف تقديره : وما نفع الحياة الدنيا إلا نفع الغرور. أي : نفع يغفل عن النفع الحقيقي لدوامه، وهو النفع في الحياة الأخروية. وإضافة المتاع إلى الغرور أن جعل الغرور جمعا فهو كقولك : نفع الغافلين. وإن جعل مصدرا فهو كقولك : نفع إغفال، أي إهمال فيورث الغفلة عن التأهب للآخرة. وقرأ عبد اللّه بن عمر : المغرور بفتح الغين، وفسّر بالشيطان ويحتمل أن يكون فعولا بمعنى مفعول، أي : متاع المغرور، أي : المخدوع.
وتضمنت هذه الآيات التجنيس المغاير في قوله : الذين قالوا : والمماثل في : قالوا، وسنكتب ما قالوا، وفي : كذبوك فقد كذب. والطباق في : فقير وأغنياء، وفي : الموت