البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٧٠
موضع له من الإعراب. وقيل : الجملة في موضع نصب على الحال، عطفت على الحال قبلها. ولما ذكر الذكر الذي محله اللسان، ذكر الفكر الذي محله القلب. ويحتمل خلق أن يراد به المصدر، فإن الفكرة في الخلق لهذه المصنوعات الغريبة الشكل والقدرة على إنشاء هذه من العدم الصرف، يدل على القدرة التامة والعلم والأحدية إلى سائر الصفات العلية.
وفي الفكر في ذلك ما يبهر العقول، ويستغرق الخواطر. ويحتمل أن يراد به المخلوق، ويكون أضافه من حيث المعنى إلى الظرفين، لا إلى المفعول، والفكر في ما أودع اللّه في السموات من الكواكب النيرة والأفلاك التي جاء النصر فيها وما أودع في الأرض من الحيوانات والنبات والمعادن، واختلاف أجناسها وأنواعها وأشخاصها أيضا يبهر العقل ويكثر العبر
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
ومر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على قوم يتفكرون في اللّه فقال :«تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره».
وقال بعض العلماء : المتفكر في ذات اللّه كالناظر في عين الشمس، لأنه تعالى ليس كمثله شيء. وإنما التفكر وانبساط الذهن في المخلوقات وفي مخلوق الآخرة. وفي الحديث :«لا عبادة كتفكر».
وذكر المفسرون من كلام الناس في التفكر ومن أعيان المتفكرين كثيرا، رأينا أن لا نطول كتابنا بنقلها رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ هذه الجملة محكية بقول محذوف تقديره : يقولون. وهذا الفعل في موضع نصب على الحال، والإشارة بهذا إلى الخلق إن كان المراد المخلوق، أو إلى السموات والأرض لأنها في معنى المخلوق. أي : ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلا. قيل : المعنى خلقا باطلا أي : لغير غاية، بل خلقته وخلقت البشر لينظر فيه، فيوحد ويعبد. فمن فعل ذلك نعمته، ومن ضل عن ذلك عذبته. وقال الزمخشري : المعنى ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة بل خلقته لداعي حكمة عظيمة وهو : أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك، ووجوب طاعتك، واجتناب معصيتك. ولذلك وصل به قوله : فقنا عذاب النار، لأنه جزاء من عصى ولم يطع انتهى. وفيه إشارات المعتزلة من قوله : بل خلقته لداعي حكمة عظيمة، وعلى هذا فيكون انتصاب باطلا على أنه نعت لمصدر محذوف. وقيل : انتصب باطلا على الحال من المفعول. وقيل : انتصب على إسقاط الباء، أي بباطل، بل خلقته بقدرتك التي هي حق. وقيل : على إسقاط اللام وهو مفعول من أجله، وفاعل بمعنى المصدر أي بطولا. وقيل : على أنه مفعول ثان لخلق،