البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٧٥
ضاحك في الدار، لا يجوز حذفضاحك البتة. وإذا قلت : زيد في الدار فالعامل كون مطلق يحذف. وكذلك زيد ناج من بني تميم، لا يجوز حذف ناج. ولو قلت : زيد من بني تميم جاز على تقدير كائن من بني تميم، والمحذوف فيما جوزه الزمخشري وهو قوله :
منزلا أو محمولا، لا يجوز حذفه على ما تقرر في علم النحو. وإذا كان العامل في الظرف أو المجرور مقيدا صار ذلك الظرف أو المجرور ناقصا، فلا يجوز أن يقع صلة، ولا خبر إلا في الحال. ولا في الأصل، ولا صفة، ولا حالا، ومعنى سؤالهم : أن يعطيهم ما وعدهم، أن يثيبهم على الإيمان والطاعة حتى يكونوا ممن يؤتيهم اللّه ما وعد المؤمنين، ومعلوم أنه تعالى منجز ما وعد، فسألوا إنجاز ما ترتب على الإيمان. والمعنى : التثبيت على الإيمان حتى يكونوا ممن يستحق برحمة اللّه تعالى إنجاز الوعد. وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى اللّه تعالى والتضرّع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون، مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك التذلل والتضرع إليه والالتجاء.
وقيل : استبطؤوا النصر الذي وعدوا به فسألوا أن يعجل لهم وعده، فعلى هذا وهو أن يكون الموعود به النصر يكون الإيتاء في الدّنيا، وعلى أن يكون الجنة يكون الإيتاء في الآخرة.
وقرأ الأعمش : على رسلك بإسكان السين.
وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ فسر الإخزاء هنا بما فسر في فقد أخزيته. ويوم القيامة معمول لقوله : ولا تخزنا. ويجوز أن يكون من باب الإعمال، إذ يصلح أن يكون منصوبا بتخزنا وبآتنا ما وعدتنا، إذا كان الموعود به الجنة.
إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ظاهره أنه تعليل لقوله : وَآتِنا ما وَعَدْتَنا «١». وقال ابن عطية : إشارة إلى قوله تعالى : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ «٢» فهذا وعده تعالى، وهو دال على أنّ الخزي إنما هو مع الخلود انتهى.
وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين، فإنهم خاطبوا اللّه تعالى بلفظة ربنا، وهي إشارة إلى أنه ربهم أصلحهم وهيأهم للعبادة، فأخبروا أولا بنتيجة الفكر وهو قولهم : رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا «٣» ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص.
وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون اللّه، ولا يتفكرون في

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٩٤.
(٢) سورة التحريم : ٦٦/ ٨.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ١٩١.


الصفحة التالية
Icon