البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٨٠
ثم بالمبني للفاعل، فتتخرج هذه القراءة على أن الواو لا تدل على الترتيب، فيكون الثاني وقع أولا ويجوز أن يكون ذلك على التوزيع فالمعنى : قتل بعضهم وقاتل باقيهم. وقرأ عمر بن عبد العزيز : وقتلوا وقتلوا بغير ألف، وبدأ ببناء الأول للفاعل، وبناء الثاني للمفعول، وهي قراءة حسنة في المعنى، مستوفية للحالين على الترتيب المتعارف. وقرأ محارب بن دثار : وقتلوا بفتح القاف وقاتلوا. وقرأ طلحة بن مصرف : وقتلوا وقاتلوا بضم قاف الأولى، وتشديد التاء، وهي في التخريج كالقراءة الأولى. وقرأ أبو رجاء والحسن :
وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا بتشديد التاء والبناء للمفعول، أي قطعوا في المعركة.
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لأكفرن :
جواب قسم محذوف، والقسم وما تلقى به خبر عن قوله : فَالَّذِينَ هاجَرُوا «١» وفي هذه الآية ونظيرها من قوله : وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ «٢» وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «٣» وقول الشاعر :
جشأت فقلت اللذ خشيت ليأتين وإذا أتاك فلات حين مناص
رد على أحمد بن يحيى ثعلب إذ زعم أن الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ لا تكون قسمية.
ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ انتصب ثوابا على المصدر المؤكد، وإن كان الثواب هو المثاب به، كما كان العطاء هو المعطى. واستعمل في بعض المواضع بمعنى المصدر الذي هو الإعطاء، فوضع ثوابا موضع إثابة، أو موضع تثويبا، لأنّ ما قبله في معنى لأثيبنهم. ونظيره صنع اللّه ووعد اللّه. وجوّز أن يكون حالا من جنات أي : مثابا بها، أو من ضمير المفعول في : وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ «٤» أي مثابين. وأن يكون بدلا من جنات على تضمين، ولأدخلنهم معنى : ولأعطينهم. وأن يكون مفعولا بفعل محذوف يدل عليه المعنى أي : يعطيهم ثوابا. وقيل : انتصب على التمييز. وقال الكسائي : هو منصوب على القطع، ولا يتوجه لي معنى هذين القولين هنا.
ومعنى : من عند اللّه، أي من جهة فضل اللّه، وهو مختص به، لا يثيبه غيره، ولا
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٩٥.
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٤١.
(٣) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٦٩.
(٤) سورة آل عمران : ٣/ ١٩٥.