البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٩٨
والجامع بين تقوى اللّه وتقوى الأرحام هذا القدر المشترك، وإن اختلف معنى التقويين، لأن تقوى اللّه بالتزام طاعته واجتناب معاصيه، واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع فيما يفضل بالبر والإحسان، وبالحمل على القدر المشترك يندفع قول القاضي : كيف يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة؟ ونقول أيضا أنه في الحقيقة من باب عطف الخاص على العام، لأن المعنى : واتقوا اللّه أي اتقوا مخالفة اللّه. وفي عطف الأرحام على اسم اللّه دلالة على عظم ذنب قطع الرحم، وانظر إلى قوله : لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى «١» كيف قرن ذلك بعبادة اللّه في أخذ الميثاق.
وفي الحديث :«من أبرّ؟ قال : أمّك وفيه : أنت ومالك لأبيك»
وقال تعالى في ذم من أضله : من الفاسقين الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ «٢». وقيل : النصب عطفا على موضع به كما تقول : مررت بزيد وعمرا. لما لم يشاركه في الاتباع على اللفظ اتبع على موضعه. ويؤيد هذا القول قراءة عبد اللّه : تساءلون به وبالأرحام. أما الرفع فوجه على أنه مبتدأ والخبر محذوف قدره ابن عطية : والأرحام أهل أن توصل. وقدره الزمخشري : والأرحام مما يتقى، أو مما يتساءل به، وتقديره أحسن من تقدير ابن عطية، إذ قدر ما يدل عليه اللفظ السابق، وابن عطية قدر من المعنى. وأما الجر فظاهره أنه معطوف على المضمر المجرور من غير إعادة الجار، وعلى هذا فسرها الحسن والنخعي ومجاهد. ويؤيده قراءة عبد اللّه : وبالأرحام. وكانوا يتناشدون بذكر اللّه والرحم.
قال الزمخشري : وليس بسديد يعني : الجر عطفا على الضمير. قال : لأن الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فكانا في قولك : مررت به وزيد، وهذا غلامه وزيد شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره اشتبه العطف على بعض الكلمة فلم يجر، ووجب تكرير العامل كقولك : مررت به وبزيد، وهذا غلامه وغلام زيد. ألا ترى إلى صحة رأيتك وزيدا، ومررت بزيد وعمرو لما لم يقو الاتصال لأنه لم يتكرر؟ وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار، ونظير هذا قول الشاعر :
فما بك والأيام من عجب وقال ابن عطية : وهذه القراءة عند رؤساء نحويين البصرة لا تجوز، لأنه لا يجوز عندهم أن يعطف ظاهر على مضمر مخفوض. قال الزجاج عن المازني : لأن المعطوف

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٨٣.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٧.


الصفحة التالية
Icon