البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠
إِنَّ فِي ذلِكَ أي : النصر. وقيل : رؤية الجيش مثليهم لَعِبْرَةً أي اتعاظا ودلالة. لِأُولِي الْأَبْصارِ إن كانت الرؤية بصرية، فالمعنى : للذين أبصروا الجمعين، وإن كانت اعتقادية، فالمعنى : لذوي العقول السليمة القابلة للاعتبار.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ قرأ الجمهور : زين مبنيا للمفعول، والفاعل محذوف، فقيل : هو اللّه تعالى، قاله عمر، لأنه قال حين نزلت : الآن يا رب حين زينتها، فنزلت قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ «١» الآية، ومعنى التزيين : خلقها وإنشاء الجبلة على الميل إليه، وهذا كقوله : إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ «٢» فزينها تعالى للابتلاء، ويدل عليه قراءة : زين للناس حب، مبنيا للفاعل، وهو الضمير العائد على اللّه في قوله :
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ.
وقيل : المزين الشيطان، وهو ظاهر قول الحسن، قال : من زينها : ما أحد أشد ذما لها من خالقها! ويصح إسناد التزيين إلى اللّه تعال بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، ونسبته إلى الشيطان بالوسوسة، وتحصيلها من غير وجهها. وأشارت الآية إلى توبيخ معاصري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اليهود وغيرهم، المفتونين بالدنيا، وأضاف المصدر إلى المفعول، وهو الكثير في القرآن، وعبر عن المشتهيات : بالشهوات، مبالغة. إذ جعلها نفس الأعيان، وتنبيها على خستها، لأن الشهوة مسترذلة عند العقلاء، يذم متبعها ويشهد له بالانتظام في البهائم، وناهيك لها ذما
قوله صلى اللّه عليه وسلم :«حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره»
وأتى بذكر الشهوات أولا مجموعة على سبيل الإجمال، ثم أخذ في تفسيرها شهوة شهوة ليدل على أن المزين ما هو إلّا شهوة دنيوية لا غير، فيكون في ذلك تنفير عنها، وذم لطالبها وللذي يختارها على ما عند اللّه، وبدأ في تفصيلها بالأهم فالأهم، بدأ بالنساءلأنهنّ حبائل الشيطان وأقرب وأكثر امتزاجا :
«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»
«ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكنّ».
ويقال فيهنّ فتنتان : قطع الرحم وجمع المال من الحلال والحرام، وفي البنين فتنة واحدة وهي جمع المال.
وثنى بالبنين لأنهم من ثمرات النساء، وفروع عنهنّ، وشقائق النساء في الفتن، الولد مبخلة مجبنة :

_
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٥. [.....]
(٢) سورة الكهف : ١٨/ ٧.


الصفحة التالية
Icon