البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠٤
نكاح اليتامى. فاليتامى إن كان أريد به اليتم الشرعي فينطلق على الصغيرات اللاتي لم يبلغن.
وقد استدل بذلك أبو حنيفة على جواز نكاح اليتيمة قبل البلوغ وقال : أما بعد البلوغ فليست يتيمة، بدليل أنها لو أرادت أن تحط عن صداق مثلها جاز لها. خلافا لمالك والشافعي والجمهور إذ قالوا : لا يجوز وإن كان المراد اليتم اللغوي، فيندرج فيه البالغات، والبالغة يجوز تزويجها بدون مهر المثل إذا رضيت، فأي معنى للعدول إلى نكاح غيرها؟
والجواب : أن العدول إنما كان لأن الوليّ يستضعفها ويستولي على مالها وهي لا تقدر على مقاومته، وإذا كان المراد باليتامى هنا البالغات فلا حجة لأبي حنيفة في الآية على جواز تزويج الصغيرة التي لم تبلغ. ومعنى : خفتم حذرتم، وهو على موضوعه في اللغة من أن الخوف هو الحذر. وقال أبو عبيدة : معنى خفتم هنا أيقنتم، وخاف تكون بمعنى أيقن، ودليله قول الشاعر :
فقلت لهم خافوا بألفي مدحج وما قاله لا يصح، لا يثبت من كلام العرب خاف بمعنى أيقن، وإنما خاف من أفعال التوقع، وقد يميل فيه الظن إلى أحد الجائزين. وقد روى ذلك البيت : فقلت لهم : ظنوا بألفي مدحج. هذه الرواية أشهر من خافوا. قال الراغب : الخوف يقال فيما فيه رجاء ما، ولهذا لا يقال : خفت أن لا أقدر على بلوغ السماء، أو نسف الجبال انتهى.
ومعنى أن لا تقسطوا أي : أن لا تعدلوا. أي : وإن خفتم الجور وأقسط : بمعنى عدل. وقرأ النخعي وابن وثاب تقسطوا بفتح التاء من قسط، والمشهور في قسط أنه بمعنى جار. وقال الزجاج : ويقال قسط بمعنى أقسط أي عدل. فإن حملت هذه القراءة على مشهور اللغة كانت لا زائدة، أي : وإن خفتم أن تقسطوا أي : أن تجوروا لأن المعنى لا يتم إلا باعتقاد زيادتها. وإن حملت على أن تقسطوا بمعنى تقسطوا، كانت للنفي كما في تقسطوا.
وقرأ ابن أبي عبلة من طاب. وقرأ الجمهور : ما طاب. فقيل : ما بمعنى من، وهذا مذهب من يجوز وقوع ما على آحاد العقلاء، وهو مذهب مرجوح. وقيل : عبر بما عن النساء، لأن إناث العقلاء لنقصان عقولهن يجرين مجرى غير العقلاء. وقيل : ما واقعة على النوع، أي : فانكحوا النوع الذي طاب لكم من النساء، وهذا قول أصحابنا أنّ ما تقع على أنواع من يعقل. وقال أبو العباس : ما لتعميم الجنس على المبالغة، وكان هذا القول هو