البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠٨
بين : لا تحسبن، وبين بمفازة، فأعيدت الجملة، وصار المعنى على هذا التقدير، إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة. قال : وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله : وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ «١» انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي. ولعله لا يصح عنه، فإن أبا علي كان من علم النحو بمكان، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي، وبطلان للأحكام الشرعية : لأنه إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : ولن تستطيعوا بما نتج من الدلالة، اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة، أو يتسرّى بما ملكت يمينه. ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغوا لا فائدة له على زعمه. والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا، ذاك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان، وهذا عدل في القسم والنفقة. ولذلك نفيت هناك استطاعته، وعلق هنا على خوف انتفائه، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالبا. وانتزع الشافعي من قوله :
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، أن الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح، خلافا لأبي حنيفة، إذ عكس. ووجه انتزاعه ذلك واستدلاله بالآية أنه تعالى خير بين تزوج الواحدة والتسري، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة، والحكمة سكون النفس بالأزواج، وتحصين الدين ومصالح البيت، وكل ذلك حاصل بالطريقين، وأجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري، فوجب أن يكون أفضل من النكاح، لأن الزائد على المتساويين يكون زائدا على المساوي الثاني لا محالة.
ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا الإشارة إلى اختيار الحرة الواحدة والأمة. أدنى من الدنو أي : أقرب أن لا تعولوا، أي : أن لا تميلوا عن الحق. قاله : ابن عباس، وقتادة، والربيع بن أنس، وأبو مالك، والسدّي. وقال مجاهد : لا تضلوا. وقال النخعي :
لا تخونوا.
وقالت فرقة منهم زيد بن أسلم وابن زيد والشافعي : معناه لا يكثر عيالكم. وقد رد على الشافعي في هذا القول من جهة المعنى ومن جهة اللفظ، أما من جهة المعنى فقال أبو بكر بن داود والرازي ما معناه : غلط الشافعي، لأن صاحب الإماء في العيال كصاحب الأزواج. وقال الزجاج : إن اللّه قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا؟ وقال صاحب النظم : قال : أولا أن لا تعدلوا يجب أن يكون ضد العدل هو الجور، وأما من جهة اللفظ ويقتضي أيضا الرد من جهة المعنى، فتفسير الشافعي

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon