البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥١١
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ «١»، وأنهما متساويان في التحريم. ولما أذن في نكاح الأربع أمر الأزواج والأولياء باجتناب ما كانوا عليه من سنن الجاهلية.
وقرأ الجمهور صدقاتهن جمع صدقة، على وزن سمرة. وقرأ قتادة وغيره : بإسكان الدال وضم الصاد. وقرأ مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبي عبلة وفياض بن غزوان وغيرهم : بضمها. وقرأ النخعي وابن وثاب : صدقتهن بضمها والافراد، وانتصب نحلة على أنه مصدر على غير الصدر، لأن معنى : وآتوا انحلوا فالنصب فيها بآتوا. وقيل : بانحلوهن مضمرة. وقيل : مصدر في موضع الحال، إما عن الفاعلين أي ناحلين، وإما من المفعول الأول أو الثاني أي : منحولات. وقيل : انتصب على إضمار فعل بمعنى شرع، أي : أنحل اللّه ذلك نحلة، أي شرعه شرعة ودينا. وقيل : إذا كان بمعنى شرعة فيجوز انتصابه على أنه مفعول من أجله، أو حال من الصدقات. وفي قوله : وآتوا النساء صدقاتهن دلالة على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه إلا ما روي عن بعض أهل العراق : أن السيد إذا زوج عبده بأمته لا يجب فيه صداق، وليس في الآية تعرض لمقدار الصداق، ولا لشيء من أحكامه. وقد تكلم بعض المفسرين في ذلك هنا، ومحل الكلام في ذلك هو كتب الفقه.
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً الخطاب فيه الخلاف : أهو للأزواج؟ أو للأولياء؟ وهو مبني على الخلاف في : وآتوا النساء. وقال حضرمي : سبب نزولها أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات، والضمير في : منه، عائد على الصداق قاله : عكرمة. إذ لو وقع مكان صدقاتهن لكان جائزا وصار شبيها بقولهم : هو أحسن الفتيان وأجمله لصلاحية، هو أحسن فتى. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى الصداق الواحد، فيكون متناولا بعضه. فلو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله، لأن بعض الصدقات واحد منها فصاعدا انتهى. وأقول : حسن تذكير الضمير، لأن معنى : فإن طبن، فإن طابت كل واحدة، فلذلك قال منه أي : من صداقها، وهو نظير : وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً «٢» أي لكل واحدة، ولذلك أفرد متكأ. وقيل :
يعود على صدقاتهن مسلوكا به مسلك اسم الإشارة، كأنه قيل عن شيء من ذلك. واسم الإشارة وإن كان مفردا قد يشار به إلى مجموع كقوله : قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ «٣».
(١) سورة النساء : ٤/ ٢.
(٢) سورة يوسف : ١٢/ ٣١.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ١٥.