البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٢١
أي : ليس يخطئون مواضع العطاء. قال ابن عباس وغيره : ومبادرة كبرهم أن الوصي يستغنم مال محجوره فيأكل ويقول : أبادر كبره لئلا يرشد ويأخذ ماله.
وانتصب إسرافا وبدارا على أنهما مصدران في موضع الحال، أي : مسرفين ومبادرين. والبدار مصدر بادر، وهو من باب المفاعلة التي تكون بين اثنين. لأن اليتيم مبادر إلى الكبر، والولي مبادر إلى أخذ ماله، فكأنهما مستبقان. ويجوز أن يكون من واحد، وأجيز أن ينتصبا على المفعول من أجله، أي : لإسرافكم ومبادرتكم. وإن يكبروا مفعول بالمصدر، أي : كبركم كقوله : أو إطعام يتيما «١» وفي إعمال المصدر المنوّن خلاف.
وقيل : التقدير مخافة أن يكبروا، فيكون أن يكبروا مفعولا من أجله، ومفعول بدارا محذوف.
وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ظاهر هذه الجملة يدل على أنه تقسيم لحال الوصي على اليتيم، فأمره تعالى بالاستعفاف عن ماله إن كان غنيا، واقتناعه بما رزقه اللّه تعالى من الغنى، وأباح له الأكل بالمعروف من مال اليتيم إن كان فقيرا، بحيث يأخذ قوتا محتاطا في تقديره.
وظاهر هذه الإباحة أنه لا تبعة عليه، ولا يترتب في ذمته ما أخذ مما يسدّ جوعته بما لا يكون رفيعا من الثياب، ولا يقضي إذا أيسر قاله : ابراهيم، وعطاء، والحسن، وقتادة، وعلى هذا القول الفقهاء. وقال عمر، وابن عباس، وعبيدة، والشعبي، ومجاهد، وأبو العالية، وابن جبير : يقضي إذا أيسر، ولا يستلف أكثر من حاجته. وبه قال الأوزاعي. وقال ابن عباس أيضا وأبو العالية، والحسن، والشعبي : إنما يأكل بالمعروف إذا شرب من اللبن، وأكل من التمر، بما يهنأ الجرباء ويليط الحوض، ويجد التمر وما أشبهه. فأما أعيان الأموال وأصولها فليس للولي أخذها.
وقالت طائفة : المعروف أن يكون له أجر بقدر عمله وخدمته، وهذه رواية عن الإمام أحمد. وفصل الحسن بن حي فقال : إن كان وصي أب فله الأكل بالمعروف، أو وصي حاكم فلا سبيل له إلى المال بوجه، وأجرته على بيت المال. وفصل أبو حنيفة وصاحباه فقالوا : إن كان وصي اليتيم مقيما فلا يجوز له أن يأخذ من ماله شيئا، وإن كان مسافرا فله أن يأخذ ما يحتاج إليه، ولا يقتني شيئا. وفصل الشعبي فقال : إن كان مضطرا بحال من
(١) سورة النساء : ٤/ ٦.