البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٢٧
الرزق إلى غير اللّه تعالى، كما قال : وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «١» وقيل : كان ذلك في الورثة واجبا فنسخته آية الميراث، والضمير في : منه عائد على المال المقسوم، ودل عليه القسمة، لأن القسمة وهي المصدر تدل على متعلقها وهو المال. وقيل : يعود إلى ما من قوله : ما ترك الوالدان والأقربون. ومن قال : القسمة المقسوم، أعاد الضمير إلى القسمة على معنى التذكير، إذ المراد المقسوم. وقدّم اليتامى على المساكين لأنّ ضعفهم أكثر، وحاجتهم أشد، فوضع الصدقات فيهم أفضل وأعظم للأجر. والظاهر أنهم يرزقون من عين المال المقسوم، ورأى عبيدة وابن سيرين : أن الرزق في هذه الآية أن يصنع لهم طعام يأكلونه، وفعلا ذلك وذبحا شاة من التركة، وقسم عند عبيدة مال ليتيم فاشترى منه شاة وذبحها، وقال عبيدة : لو لا هذه لكانت من مالي. وقوله : منه يدل على التبعيض، ولا تقدير فيه بالإجماع، وهذا مما يدل على الندب. إذ لو كان لهؤلاء حق معين لبين اللّه قدر ذلك الحق، كما بين في سائر الحقوق. وعلى هذا فقهاء الأمصار إذا كان الورثة كبارا، وإن كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف.
والضمير في قوله : وقولوا لهم، عائد على ما عاد عليه الضمير في : فارزقوهم، وهم : أولوا القربى واليتامى والمساكين. وقال ابن جرير : الآية محكمة في الوصية، والضمير في فارزقوهم عائد على أولي القربى الموصى لهم، وفي لهم عائد على اليتامى والمساكين. أمر أن يقال لهم قول معروف. وقيل أيضا بتفريق الضمير، ويكون المراد من أولي القربى الذين يرثون، والمراد من اليتامى والمساكين الذين لا يرثون. فقوله : فارزقوهم راجع إلى أولي القربى. وقوله : لهم، راجع إلى اليتامى والمساكين. وما قيل من تفريق الضمير تحكم لا دليل عليه.
والمقول المعروف فسره هنا ابن جبير أن يقول لهم : هذا المال لقوم غيب أو ليتامى صغار، وليس لكم فيه حق. وقيل : الدعاء لهم بالرزق والغنى. وقيل : هو القول الدال على استقلال ما أرضخوهم به، وروي عن ابن جبير. وقيل : العدة الحسنة بأن يقال : هؤلاء أيتام صغار، فإذا بلغوا أمرناهم أن يعرفوا حقكم قاله : عطاء بن يسار، عن ابن جبير. وقيل :
المعروف ما يؤنس به من دعاء وغيره. وظاهر الكلام أن الأصناف الثلاثة يجمع لهم بين الرزق والقول المعروف. وقيل : إما أن يعطوا وإما أن يقال لهم قول معروف.

_
(١) سورة الجمعة : ٦٢/ ١١. [.....]


الصفحة التالية
Icon