البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٣١
والظاهر : تعلق في بطونهم بيأكلون، وقاله الحوفي. وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال من قوله : نارا. ونبّه بقوله : في بطونهم على نقصهم، ووصفهم بالشره في الأكل، والتهافت في نيل الحرام بسبب البطن. وأين يكون هؤلاء من قول الشاعر؟! تراه خميص البطن والزاد حاضر وقول الشنفري :
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
وظاهر قوله : نارا أنهم يأكلون نارا حقيقة. وفي حديث أبي سعيد عن ليلة الإسراء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صحرا من نار يخرج من أسافلهم، فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وبأكلهم النار حقيقة»
قالت طائفة :
وقيل : هو مجاز، لما كان أكل مال اليتيم يجر إلى النار والتعذيب، بها عبر عن ذلك بالأكل في البطن، ونبه على الحامل على أخذ المال وهو البطن الذي هو أخس الأشياء التي ينتفع بالمال لأجلها، إذ مآل ما يوضع فيه إلى الاضمحلال والذهاب في أقرب زمان. ولذلك
قال :«ما ملأ الإنسان وعاء شرا من بطنه».
وقرأ الجمهور : وسيصلون مبنيا للفاعل من الثلاثي. وقرأ ابن عامر وأبو بكر : بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول من الثلاثي. وابن أبي عبلة : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشدّدة مبنيا للمفعول. والصلا من : التسخن بقرب النار، والإحراق إتلاف الشيء بالنار.
وعبر بالصلا بالنار عن العذاب الدائم بها، إذ النار لا تذهب ذواتهم بالكلية، بل كما قال :
كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ «١» وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية. وجاء يأكلون بالمضارع دون سين الاستقبال، وسيصلون بالسين، فإن كان الأكل للنار حقيقة فهو مستقبل، واستغنى عن تقييده بالسين بعطف المستقبل عليه. وإن كان مجازا فليس بمستقبل، إذ المعنى : يأكلون ما يجر إلى النار ويكون سببا إلى العذاب بها. ولما كان لفظ نار مطلقا في قوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا، قيد في قوله سعيرا، إذ هو الجمر المتقد.
وتضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والفصاحة. الطباق في : واحدة وزوجها،

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٥٦.


الصفحة التالية
Icon