البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٥٩
والسدي : هو التعبير والتوبيخ. وقال قوم : بالفعل دون القول. وقالت فرقة : هو السب والجفا دون تعيير. وقيل : الأذى المأمور به هو الجمع بين الحدين : الجلد والرجم، وهو قول علي، وفعله في الهمدانية : جلدها ثم رجمها.
وظاهر قوله : واللذان يأتيانها العموم. وقال قتادة والسدي وابن زيد وغيرهم : هي في الرجل والمرأة البكرين، وأما الأولى ففي النساء المزوجات، ويدخل معهن في ذلك من أحصن من الرجال بالمعنى. ورجح هذا القول الطبري. وأجمعوا على أن هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد، إلا في تفسير على الأذى فلا نسخ، وإلا في قول من قال : إن الأذى بالتعيير مع الجلد باق فلا نسخ عنده، إذ لا تعارض، بل يجمعان على شخص واحد. وإذا حملت الآيتان على الزنا تكون الأولى قد دلت على حبس الزواني، والثانية على إيذائها وإيذائه، فيكون الإيذاء مشتركا بينهما، والحبس مختص بالمرأة فيجمع عليها الحبس والإيذاء، هذا ظاهر اللفظ. وقيل : جعلت عقوبة المرأة الحبس لتنقطع مادة هذه المعصية، وعقوبة الرجل الإيذاء، ولم يجعل الحبس لاحتياجه إلى البروز والاكتساب. وأما على قول قتادة والسدي : من أن الأولى في الثيب والثانية في البكر من الرجال والنساء، فقد اختلف متعلق العقوبتين، فليس الإيذاء مشتركا. وذهب الحسن إلى أن هذه الآية قبل الآية المتقدمة، ثم نزل فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ «١» يعني إن لم يتبن وأصررن فامسكوهن إلى إيضاح حالهن، وهذا قول يوجب فساد الترتيب، فهو بعيد. وعلى هذه الأقوال يظهر للتكرار فوائد. وعلى قول قتادة والسدي : لا تكرار، وكذلك لا تكرار على قول : مجاهد وأبي مسلم.
وإعراب واللذان كإعراب واللاتي. وقرأ الجمهور : واللذان بتخفيف النون. وقرأ ابن كثير : بالتشديد. وذكر المفسرون علة حذف الياء، وعلة تشديد النون، وموضوع ذلك علم النحو. وقرأ عبد اللّه : والذين يفعلونه منكم، وهي قراءة مخالفة لسواد مصحف الإمام، ومتدافعة مع ما بعدها. إذ هذا جمع، وضمير جمع وما بعدهما ضمير تثنية، لكنه يتكلف له تأويل : بأن الذين جمع تحته صنفا الذكور والإناث، فعاد الضمير بعده مثنى باعتبار الصنفين، كما عاد الضمير مجموعا على المثنى باعتبار أن المثنى تحتهما أفراد كثيرة هي في معنى الجمع في قوله : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «٢»
(١) سورة النساء : ٤/ ١٥.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩/ ٩.