البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٦٩
فلا بأس أن يضارّها ويشق عليها حتى تفتدي منه. وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن. وقال عطاء : كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود. وقال ابن سيرين وأبو قلابة :
لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها. وقال قتادة : لا يحل له أن يحبسها ضرارا حتى تفتدي منه، يعني : وإن زنت. وقال ابن عباس وعائشة والضحاك وغيرهم : الفاحشة هنا النشوز، فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها، وهذا مذهب مالك. وقال قوم : الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وهذا في معنى النشوز. والمعنى : إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن، فيجوز أخذ مالهن على سبيل الخلع. ويدل على هذا المعنى قراءة أبي : إلا أن يفحشن عليكم، وقراءة ابن مسعود : إلا أن يفحشن وعاشروهن، وهما قراءتان مخالفتان لمصحف الإمام، وكذا ذكر الداني عن ابن عباس وعكرمة. والذي ينبغي أن يحمل عليه أن ذلك على سبيل التفسير والإيضاح، لا على أن ذلك قرآن. ورأى بعضهم أن لا يتجاوز ما أعطاها ركونا لقوله : لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ «١» وقال مالك : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملكه. وظاهر الاستثناء يقتضي إباحة العضل له ليذهب ببعض ما أعطاها لأكله، ولا ما لم يعطها من ماله إذا أتت بالفاحشة المبينة. وقرأ ابن كثير وأبو بكر :
مبينة هنا، وفي الأحزاب، والطلاق بفتح الياء، أي أي يبينها من يدعيها ويوضحها. وقرأ الباقون : بالكسر أي : بينة في نفسها ظاهرة. وهي اسم فاعل من بين، وهو فعل لازم بمعنى بان أي ظهر، وظاهر قوله : ولا تعضلوهن، أن لا نهي، فالفعل مجزوم بها، والواو عاطفة جملة طلبية على جملة خبرية. فإن قلنا : شرط عطف الجمل المناسبة، فالمناسبة أن تلك الخبرية تضمنت معنى النهي كأنه قال : لا ترثوا النساء كرها فإنه غير حلال لكم ولا تعضلوهن. وإن قلنا : لا يشترط في العطف المناسبة وهو مذهب سيبويه، فظاهر. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تعضلوهن نصبا عطفا على ترثوا، فتكون الواو مشركة عاطفة فعلا على فعل. وقرأ ابن مسعود : ولا أن تعضلوهن، فهذه القراءة تقوي احتمال النصب، وأن العضل مما لا يحلّ بالنصّ. وعلى تأويل الجزم هي نهي معوض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهة، واحتمال النصب أقوى انتهى ما ذكره من تجويز هذا الوجه، وهو لا يجوز.
وذلك أنك إذا عطفت فعلا منفيا بلا على مثبت وكانا منصوبين، فإنّ الناصب لا يقدر إلا بعد حرف العطف، لا بعد لا. فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار، فالتقدير : أريد أن أتوب وأن لا أدخل النار، لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوت، والثاني على سبيل
(١) سورة النساء : ٤/ ١٩.