البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠١
وأما كونه خارجا عن أقوال البصريين فلأنه جعل اللام مؤكدة مقوية لتعدي يريد، والمفعول متأخر، وأضمر أن بعد هذه اللام. وأما كونه خارجا عن قول الكوفيين فإنهم يجعلون النصب باللام، لا بأن، وهو جعل النصب بأن مضمرة بعد اللام. وذهب بعض النحويين إلى أن اللام في قوله : ليبين لكم، لام العاقبة، قال : كما في قوله : لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً «١» ولم يذكر مفعول يبين.
قال عطاء : يبين لكم ما يقربكم. وقال الكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير. وقيل : ما فصل من المحرمات والمحللات. وقيل : شرائع دينكم، ومصالح أموركم.
وقيل : طريق من قبلكم إلى الجنة. ويجوز عندي أن يكون من باب الإعمال، فيكون مفعول ليبين ضميرا محذوفا يفسره مفعول ويهديكم، نحو : ضربت وأهنت زيدا، التقدير :
ليبينها لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم، أي ليبين لكم سنن الذين من قبلكم.
والسنن : جمع سنة، وهي الطريقة. واختلفوا في قوله : سنن الذين من قبلكم، هل ذلك على ظاهره من الهداية لسننهم؟ أو على التشبيه؟ أي : سننا مثل سنن الذين قبلكم. فمن قال بالأول أراد أنّ السنن هي ما حرم علينا وعليهم بالنسب والرضاع والمصاهرة. وقيل : المراد بالسنن ما عنى في قوله تعالى : ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «٢» وقيل : المراد بها ما ذكره في قوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «٣» وقيل : طرق من قبلكم إلى الجنة. وقيل : مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين، والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم، وهذا قريب مما قبله. وعلى هذه الأقوال فيكون الذين من قبلكم المراد به الأنبياء وأهل الخير. وقيل : المراد بقوله سنن طرق أهل الخير والرشد والغي، ومن كان قبلكم من أهل الحق والباطل، لتجتنبوا الباطل، وتتبعوا الحق.
والذين قالوا : إنّ ذلك على التشبيه قالوا : إن المعنى أنّ طرق الأمم السابقة في هدايتها كان بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الأحكام، وكذلك جعل طريقكم أنتم.
فأراد أن يرشدكم إلى شرائع دينكم وأحكام ملتكم بالبيان والتفصيل، كما أرشد الذين من قبلكم من المؤمنين. وقيل : الهداية في أحد أمرين : أما أنا خوطبنا في كل قصة نهيا أو أمرا

_
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٨. [.....]
(٢) سورة النحل : ١٦/ ١٢٣.
(٣) سورة الشورى : ٤٢/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon