البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠٦
والمتأخرون الذين تتبعوا هذه الأفعال لم يذكروا ذلك، وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البيان والبديع. منها : التجوّز بإطلاق اسم الكل على البعض في قوله : يأتين الفاحشة، لأن أل تستغرق كل فاحشة وليس المراد بل بعضها، وإنما أطلق على البعض اسم الكل تعظيما لقبحه وفحشه، فإن كان العرف في الفاحشة الزنا، فليس من هذا الباب إذ تكون الألف واللام للعهد. والتجوّز بالمراد من المطلق بعض مدلوله في قوله : فآذوهما إذ فسر بالتعيير أو الضرب بالنعال، أو الجمع بينهما، وبقوله : سبيلا والمراد الحد، أو رجم المحصن.
وبقوله : فأعرضوا عنهما أي اتركوهما. وإسناد الفعل إلى غير فاعله في قوله : حتى يتوفاهنّ الموت، وفي قوله : حتى إذا حضر أحدهم الموت. والتجنيس المغاير في : فإن تابا إن اللّه كان توّابا، وفي : أرضعنكم ومن الرضاعة، وفي : محصنات فإذا أحصنّ. والتجنيس المماثل في : فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا، وفي : ولا تنكحوا ما نكح. والتكرار في :
اسم اللّه في مواضع، وفي : إنما التوبة وليست التوبة، وفي : زوج مكان زوج، وفي :
أمّهاتكم وأمّهاتكم اللاتي، وفي : إلا ما قد سلف، وفي : المؤمنات في قوله : المحصنات المؤمنات، وفي : فتياتكم المؤمنات، وفي : فريضة ومن بعد الفريضة، وفي : المحصنات من النساء والمحصنات، ونصف ما على المحصنات، وفي : بعضكم من بعض، وفي :
يريد في أربعة مواضع، وفي : يتوب وأن يتوب، وفي : إطلاق المستقبل على الماضي، في : واللاتي يأتين الفاحشة وفي : واللذان يأتيانها منكم، وفي : يعملون السوء وفي : ثم يتوبون، وفي : يريد وفي : ليبين، لأن إرادة اللّه وبيانه قديمان، إذ تبيانه في كتبه المنزلة والإرادة والكلام من صفات ذاته وهي قديمة. والإشارة والإيماء في قوله : كرها، فإن تحريم الإرث كرها يومىء إلى جوازه طوعا، وقد صرح بذلك في قوله : فإن طبن، وفي قوله : ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ، فله أن يعضلها على غير هذه الصفة لمصلحة لها تتعلق بها، أو بمالها، وفي : إنه كان فاحشة أومأ إلى نكاح الأبناء في الجاهلية نساء الآباء، وفي : أحل لكم ما وراء ذلكم إشارة إلى ما تقدم في المحرمات، ذلك لمن خشي العنت إشارة إلى تزويج الإماء. والمبالغة في تفخيم الأمر وتأكيده في قوله : وآتيتم إحداهنّ قنطارا عظم الأمر حتى ينتهي عنه. والاستعارة في قوله : وأخذن منكم ميثاقا غليظا، استعار الأخذ للوثوق بالميثاق والتمسك به، والميثاق معنى لا يتهيأ فيه الأخذ حقيقة، وفي : كتاب اللّه عليكم أي فرض اللّه، استعار للفرض لفظ الكتاب لثبوته وتقريره، فدل بالأمر المحسوس على المعنى المعقول. وفي : محصنين، استعار لفظ الإحصان وهو


الصفحة التالية
Icon