البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦١٦
وقرأ نافع : مدخلا هنا، وفي الحج بفتح الميم، ورويت عن أبي بكر. وقرأ باقي السبعة بضمها وانتصاب المضموم الميم إمّا على المصدر أي : إدخالا، والمدخل فيه محذوف أي : ويدخلكم الجنة إدخالا كريما. وإمّا على أنه مكان الدخول، فيجيء الخلاف الذي في دخل، أهي متعدية لهذه الأماكن على سبيل التعدية للمفعول به؟ أم على سبيل الظرف؟ فإذا دخلت همزة النقل فالخلاف. وأما انتصاب المفتوح الميم فيحتمل أن يكون مصدر الدخل المطاوع لأدخل، التقدير : ويدخلكم فتدخلون دخولا كريما، وحذف فتدخلون لدلالة المطاوع عليه، ولدلالة مصدره أيضا. ويحتمل أن يراد به المكان، فينتصب إذ ذاك إما بيدخلكم، وإما بدخلتم المحذوفة على الخلاف، أهو مفعول به أو ظرف.
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ قال قتادة والسدي : لما نزل لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «١» قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الحسنات كالميراث.
وقال النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كالميراث. وقال عكرمة : قال النساء : وددنا أنّ اللّه جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر مثل ما يصيب الرجال.
وزاد مجاهد : أن ذلك عن أم سلمة. وأنها قالت : وإنما لنا نصف الميراث فنزلت. وروي عنها أنها قالت : ليتنا كنا رجالا فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما نهى عن أكل المال بالباطل، وعن قتل الأنفس، وكان ما نهى عنه مدعاة إلى التبسط في الدنيا والعلو فيها وتحصيل حطامها، نهاهم عن تمني ما فضل اللّه به بعضهم على بعض، إذ التمني لذلك سبب مؤثر في تحصيل الدنيا وشوق النفس إليها بكل طريق، فلم يكتف بالنهي عن تحصيل المال بالباطل وقتل الأنفس، حتى نهى عن السبب المحرّض على ذلك، وكانت المبادرة إلى النهي عن المسبب آكد لفظاعته ومشقته فبدىء به، ثم أتبع بالنهي عن السبب حسما لمادة المسبب، وليوافق العمل القلبي العمل الخارجي فيستوي الباطن والظاهر في الامتناع عن الأفعال القبيحة. وظاهر الآية يدل على النهي أن يتمنى الإنسان لنفسه ما فضل به عليه غيره، بل عليه أن يرضى بما قسم اللّه له.

_
(١) سورة النساء : ٤/ ١١.


الصفحة التالية
Icon