البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦١٨
التكاليف الشاقة كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك. وجعل للنساء الحمل ومشقته، وحسن التبعل، وحفظ غيب الزوج، وخدمة البيوت. وقيل : المعنى مما اكتسب من نعيم الدنيا، فينبغي أن يرضى بما قسم اللّه له. وهذه الأقوال الثلاثة هي بالنسبة لأحوال الدنيا.
وقالت فرقة : المعنى نصيب من الأجر والحسنات. وقال الزمخشري : جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف اللّه من حاله الموجبة للبسط والقبض كسبا له انتهى. وفي قوله : عرف اللّه نظر، فإنه لا يقال في اللّه عارف، نص الأئمة على ذلك، لأن المعرفة في اللغة تستدعي قبلها جهلا بالمعروف، وذلك بخلاف العلم، فإنه لا يستدعي جهلا قبله. وتسمية ما قسم اللّه كسبا له فيه نظر أيضا، فإنّ الاكتساب يقتضي الاعتمال والتطلب كما قلناه، إلا إن قلنا أنّ أكثر ما قسم له يستدعي اكتسابا من الشخص، فأطلق الاكتساب على جميع ما قسم له تغليبا للأكثر. وفي تعليق النصيب بالاكتساب حض على العمل، وتنبيه على كسب الخير.
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أي من زيادة إحسانه ونعمه. لما نهاهم عن تمني ما فضل به بعضهم، أمرهم بأن يعتمدوا في المزيد عليه تبارك وتعالى. وظاهر قوله : من فضله، العموم فيما يتعلق بأحوال الدنيا وأحوال الآخرة، لأن ظاهر قوله : وَلا تَتَمَنَّوْا «١» ما فضل العموم أيضا، وهو قول الجمهور. وقال ابن جبير وليث بن أبي سليم : هذا في العبادات والدين وأعمال البر، وليس في فضل الدنيا. وفي قوله : من فضله، دلالة على عدم تعيين المطلوب، لكن يطلب من فضل اللّه ما يكون سببا لإصلاح دينه ودنياه على سبيل الإطلاق، كما قال تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً «٢».
وقرأ ابن كثير والكسائي : وسلوا بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السين، وذلك إذا كان أمرا للمخاطب، وقبل السين واو أو فاء نحو : فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ «٣» وفَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ «٤». وقرأ باقي السبعة بالهمز. قال ابن عطية : إلا في قوله : وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ «٥» فإنهم أجمعوا على الهمز فيه انتهى. وهذا الذي ذكره ابن عطية وهم، بل نصوص المقرءين في كتبهم على أن واسألوا ما أنفقتم من جملة المختلف فيه. بيّن ابن كثير والكسائي، وبين الجماعة، ونص على ذلك بلفظه ابن شيطا في كتاب التذكار، ولعل الوهم وقع له في ذلك

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٣٢.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٠١.
(٣) سورة يونس : ١٠/ ٢٤.
(٤) سورة النحل : ١٦/ ٤٣، وسورة الأنبياء : ٢١/ ٧.
(٥) سورة الممتحنة : ٦٠/ ١٠.


الصفحة التالية
Icon