البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٢٧
قال ابن عباس وابن جبير : معناه لا تجامعوهن. وقال الضحاك والسدي : اتركوا كلامهن، وو لوهن ظهوركم في الفراش. وقال مجاهد : فارقوهن في الفرش، أي ناموا ناحية في فرش غير فرشهن. وقال عكرمة والحسن : قولوا لهن في المضاجع هجرا، أي كلاما غليظا. وقيل : اهجروهن في الكلام ثلاثة أيام فما دونها. وكنى بالمضاجع عن البيوت، لأن كل مكان يصلح أن يكون محلا للاضطجاع. وقال النخعي، والشعبي، وقتادة، والحسن : من الهجران، وهو البعد وقيل : اهجروهن بترك الجماع والاجتماع، وإظهار التجهم، والإعراض عنهن مدة نهايتها شهرا كما فعل عليه السلام «حين حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا» وقيل : اربطوهن بالهجار، وأكرهوهن على الجماع من قولهم : هجر البعير إذا شده بالهجار، وهو حبل يشدّ به البعير قاله : الطبري ورجحه. وقدح في سائر الأقوال. وقال الزمخشري في قول الطبري : وهذا من تفسير الثقلاء انتهى. وقيل في للسبب : أي اهجروهن بسبب تخلفهن عن الفرش. وقرأ عبد اللّه والنخعي : في المضجع على الإفراد وفيه معنى الجمع، لأنه اسم جنس.
وضربهن هو أن يكون غير مبرح ولا ناهك، كما جاء في الحديث.
قال ابن عباس :
بالسواك ونحوه. والضرب غير المبرح هو الذي لا يهشم عظما، ولا يتلف عضوا، ولا يعقب شينا، والناهك البالغ، وليجتنب الوجه. وعن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«علق سوطك حيث يراه أهلك»
وعن أسماء بنت الصديق رضي اللّه عنها : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها. وهذا يخالف قول ابن عباس، وكذلك ما رواه ابن وهب عن مالك : أن أسماء زوج الزبير كانت تخرج حتى عوتبت في ذلك وعيب عليها وعلى ضرّاتها، فعقد شعر واحدة بالأخرى، ثم ضربهما ضربا شديدا، وكانت الضرّة أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي الضرب، فكان الضرب بها أكثر، فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي اللّه عنه فقال : يا بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله أن يكون زوجك في الجنة.
وظاهر الآية يدل : على أنه يعظ، ويهجر في المضجع، ويضرب التي يخاف نشوزها. ويجمع بينها، ويبدأ بما شاء، لأن الواو لا ترتب. وقال بهذا قوم وقال الجمهور :
الوعظ عند خوف النشوز، والضرب عند ظهوره. وقال ابن عطية : هذه العظة والهجر والضرب مراتب، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها. وقال الزمخشري : أمر بوعظهن أولا، ثم بهجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ


الصفحة التالية
Icon