البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٣٥
سبيل ابتداع أمر اللّه، بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان. أحدهما : البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال البتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل. والثاني : الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، لا لغرض أمر اللّه وامتثاله وطاعته. وذمّ تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول :
وأعتدنا للكافرين، وأعقب الثاني بقوله : وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً «١».
والبخل أنواع : بخل بالمال، وبخل بالعلم، وبخل بالطعام، وبخل بالسلام، وبخل بالكلام، وبخل على الأقارب دون الأجانب، وبخل بالجاه، وكلها نقائص ورذائل مذمومة عقلا وشرعا وقد جاءت أحاديث في مدح السماحة وذم البخل منها :
«خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق»
وظاهر قوله بالبخل أنه متعلق بقوله : ويأمرون، كما تقول :
أمرت زيدا بالصبر، فالبخل مأمور به. وقيل : متعلق الأمر محذوف، والباء في بالبخل حالية، والمعنى : ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل، فيكون نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله :
أجمعت أمرين ضاع الحزم بينهما تيه الملوك وأفعال المماليك
وقرأ الجمهور : بالبخل بضم الباء وسكون الخاء. وعيسى بن عمر والحسن :
بضمهما. وحمزة الكسائي : بفتحهما، وابن الزبير وقتادة وجماعة. بفتح الباء، وسكون الخاء. وهي كلها لغات. قال الفرّاء : البخل مثقلة لأسد، والبخل خفيفة لتميم، والبخل لأهل الحجاز. ويخففون أيضا فتصير لغتهم ولغة تميم واحدة، وبعض بكر بن وائل بقولون البخل قال جرير :
تريدين أن ترضي وأنت بخيلة ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل
وأنشدني المفضل :
وأوفاهم أوان بخل وينشد هذا البيت بفتحتين وضمتين :
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده لذو بخل كل على من يصاحب
واختلفوا في إعراب الذين يبخلون، فقيل : هو في موضع نصب بدل من قوله : من كان. وقيل : من قوله مختالا فخورا. أفرد اسم كان، والخبر على لفظ من، وجمع الذين

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٣٨.


الصفحة التالية
Icon