البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٥٠
أن طلاق المعتوه لا يجوز، والسكران معتوه كالموسوس، معتوه بالوسواس. ولا يختلفون في أنّ طلاق من ذهب عقله بالبنج غير جائز، فكذلك من سكر من الشراب. وروي عن عمر ومعاوية وجماعة من التابعين : أنّ طلاقه نافذ عليه وهو قول : أبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي. قال أبو حنيفة : أفعاله وعقوده كلها ثابتة كأفعال الصاحي إلا الردة، فإنه إذا ارتد لا تبين امرأته منه. وقال أبو يوسف : يكون مرتدا في حال سكره، وهو قول الشافعي، إلا أنه لا يقتله في حال سكره، ولا يستتيبه. واختلف قوله في الطلاق، وألزم مالك السكران الطلاق والقود في الجراح والعقل، ولم يلزمه النكاح والبيع. قال الماوردي : وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه لا يلزمه طلاقه. وقال محمد بن عبد الحكم : لا يلزمه طلاق ولا عتاق.
واختلفوا في السكر. فقيل : هو الذي لا يعرف صاحبه الرجل من المرأة قاله : جماعة من السلف، وهو مذهب أبي حنيفة، ويدل عليه قوله : حتى تعلموا ما تقولون. فظاهره يدل على أنّ السكر الذي يتعلق به الحكم هو الذي لا يعقل صاحبه ما يقول. وقال الثوري :
السكر اختلال العقل، فإذا خلط في قراءته وتكلم بما لا يعرف حده. وقال أحمد : إذا تغير عقله في حال الصحة فهو سكران. وحكى عن مالك نحوه.
قيل : وفي الآية دلالة على أن الشرب كان مباحا في أول الإسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر. وقال القفال : يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطبع إلى السخاء والشجاعة والحمية، وأما ما يزيل العقل حتى يصير صاحبه في حالة الجنون والإغماء فما أبيح قصده، بل لو أنفق من غير قصد كان مرفوعا عن صاحبه.
وَلا جُنُباً هذه حالة معطوفة على قوله : وأنتم سكارى. إذ هي جملة حالية، والجملة الاسمية أبلغ لتكرار الضمير، فالتقييد بها أبلغ في الانتفاء منها من التقييد بالمفرد الذي هو : ولا جنبا. ودخول لا دال على مراعاة كل قيد منهما بانفراده. وإذا كان النهي عن إيقاع الصلاة مصاحبة لكل حال منهما بانفراده، فالنهي عن إيقاعها بهما مجتمعين، وأدخل في الحظر. والجنب : هو غير الصحابة : لا غسل إلا على من أنزل، وبه قال الأعمش وداود. وهي مسألة تذكر أدلتها في علم الفقه.
والجنب من الجنابة وهي البعد، كأنه جانب الطهر، أو من الجنب كأنه ضاجع ومس بجنبه. قال الزمخشري : الجنب يستوي فيه الواجد والجمع، والمذكر والمؤنث، لأنه اسم