البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٥٥
الماء لخوف عدو، أو سبع، أو عدم آلة استقاء، أو إرهاق في مكان لا ماء فيه، أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى. وفيه تفسيره : أو لمستم النساء أنه أريد به الجماع الذي تترتب عليه الجنابة، فسر ذلك على مذهب أبي حنيفة، ولم ينقل غيره من المذاهب.
وملخص ما طول به : أنه اعتذر عن تقديم المرض والسفر بما ذكر. ومن يحمل اللمس على ظاهره يقول : إن هذا من باب الترقي من الأقل إلى الأكثر، لأن حالة المرض أقل من حالة السفر، وحالة السفر أقل من حالة قضاء الحاجة، وحالة قضاء الحاجة أقل من حالة لمس المرأة. ألا ترى أن حالة الصحة غالبا أكثر من حال المرض، وكذا في سائر البواقي؟.
قال أبو عبيدة والفراء : الصعيد التراب. وقال الليث : الصعيد الأرض المستوية لا شيء فيها من غراس ونبات، وهو قول قتادة، قال : الصعيد الأرض الملساء. وقال الخليل : الصعيد ما صعد من وجه الأرض، يريد وجه الأرض. وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره، وإن كان صخرا لا تراب عليه زاد غيره : أو رملا، أو معدنا، أو سبخة. والطيب الطاهر وهذا تفسير طائفة، ومذهب أبي حنيفة ومالك واختيار الطبري. ومنه الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ «١» أي طاهرين من أدناس المخالفات. وقال قوم : الطيب هنا الحلال، قاله سفيان الثوري وغيره. وقال الشافعي وجماعة : الطيب المنبت، وقاله ابن عباس لقوله تعالى : وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ «٢» فالصعيد على هذا التراب. وهؤلاء يجيزون التيمم بغير ذلك، فمحل الإجماع هو أن يتيمم بتراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب. ومحل المنع إجماعا هو : أن يتيمم على ذهب صرف، أو فضة، أو ياقوت، أو زمرد، وأطعمة كخبز ولحم، أو على نجاسة، واختلف في المعادن : فأجيز، وهو مذهب مالك، ومنع وهو مذهب الشافعي. وفي الملح، وفي الثلج، وفي التراب المنقول، وفي المطبوخ كالآجر، وعلى الجدار، وعلى النبات، والعود، والشجر خلاف. وأجاز الثوري وأحمد بغبار اليد. وقال أحمد وأبو يوسف : لا يجوز إلا بالتراب والرمل، والجمهور على إجازته بالسباخ، إلا ابن راهويه. وأجاز ابن علية وابن كيسان التيمم بالمسك والزعفران.
وظاهر الكلام : أنّ التيمم مسح الوجه واليدين من الصعيد الطيب، فمتى حصلت هذه الكيفية حصل التيمم. والعطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين الوجه واليدين والباء في بوجوهكم مما يعدى بها الفعل تارة، وتارة بنفسه. حكى سيبويه : مسحت رأسه وبرأسه،

_
(١) سورة النحل : ١٦/ ٣٢.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٥٨.


الصفحة التالية
Icon