البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٦
وقيل : الأول جار مجرى الشهادة، والثاني جار مجرى الحكم وقيل : هذا الكلام ينطوي على مقدّمتين، وهذا هو نتيجتهما، فكأنه قال : شهد اللّه والملائكة وأولو العلم وما شهدوا به حق فلا إله إلا هو حق، فحذف إحدى المقدّمتين للدّلالة عليها، وهذا التقدير كله لا يساعد عليه اللفظ.
وقال الراغب : إنما كرر لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد لأن أكثرها مشارك في ألفاظها العبيد، فيصح وصفهم بها، وكذلك وردت ألفاظ التنزيه في حقه أكثر، وأبلغ ما وصف به من التنزيه : لا إله إلا اللّه، فتكريره هنا لأمرين :
أحدهما : لكون الثاني قطعا للحكم، كقولك : أشهد أن زيدا خارج، وهو خارج. والثاني :
لئلا يسبق بذكر العزيز الحكيم إلى قلب السامع تشبيه، إذ قد يوصف بهما المخلوق انتهى.
وقال الزمخشري : صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. انتهى. وهو تحويم على مذهب المعتزلة.
وارتفع : العزيز، على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : والعزيز، على الاستئناف قيل :
وليس بوصف، لأن الضمير لا يوصف، وليس هذا بالجمع عليه، بل ذهب الكسائي إلى أن ضمير الغائب كهذا يوصف.
وجوّزوا في إعراب : العزيز، أن يكون بدلا من : هو. وروي في حديث عن الأعمش أنه قام يتهجد، فقرأ هذه الآية، ثم قال : وأنا أشهد بما شهد اللّه به، وأستودع اللّه هذه الشهادة وهي لي عند اللّه وديعة، إن الدين عند اللّه الإسلام قالها مرارا، فسئل، فقال :
حدّثني أبو وائل، عن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول اللّه : عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى، أدخلوا عبدي الجنة».
وقال أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازي : العزيز، إشارة إلى كمال القدرة، و : الحكيم، إشارة، إلى كمال العلم، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلّا معهما، لإن كونه قائِماً بِالْقِسْطِ لا يتم إلّا إذا كان عالما بمقادير الحاجات، فكان قادرا على تحصيل المهمات، وقدم العزيز في الذكر لأن العلم بكونه تعالى قادرا متقدم على العلم بكونه عالما في طريق المعرفة الاستدلالية، وهذا الخطاب مع المستدل. انتهى كلامه.


الصفحة التالية
Icon