البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٦٠
فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «١» لكن تكرر هنا لما تضمن من مزيد : نقول : ورد بعضها. وانتصاب وليا ونصيرا قيل : على الحال. وقيل : على التمييز، وهو أجود لجواز دخول من.
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ظاهره الانقطاع في الإعراب عن ما قبله، فيكون على حذف موصوف هو مبتدأ، ومن الذين خبره، والتقدير : من الذين هادوا قوم يحرّفون الكلم، وهذا مذهب سيبويه، وأبي عليّ، وحذف الموصوف بعد من جائز وإن كانت الصفة فعلا كقولهم : منا ظعن، ومنا أقام أي : منا نفر ظعن، ومنا نفر أقام. وقال الشاعر :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
يريد : فمنهما تارة أموت فيها. وخرّجه الفرّاء على إضمار من الموصولة أي : من الذين هادوا من يحرفون الكلم، وهذا عند البصريين لا يجوز. وتأولوا ما جاء مما يشبه هذا على أنه من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، قال الفرّاء : ومثله قول ذي الرّمة :
فظلوا ومنهم دمعه سابق لها وآخر يثني دمعة العين باليد
وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف موصولا، بل يترجح أن يكون موصوفا لعطف النكرة عليه وهو آخر، إذ يكون التقدير : فظلوا ومنهم عاشق دمعه سابق لها. وقيل : هو على إضمار مبتدأ التقدير : هم من الذين هادوا، ويحرفون حال من ضمير هادوا، ومن الذين هادوا متعلق بما قبله، فقيل : بنصيرا أي نصيرا من الذين هادوا، وعداه بمن كما عداه في :
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ «٢» وفَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ «٣» أي ومنعناه وفمن يمنعنا. وقيل : من الذين هادوا بيان لقوله : بأعدائكم، وما بينهما اعتراض. وقيل : حال من الفاعل في يريدون قاله أبو البقاء. قال : ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في أوتوا لأن شيئا واحدا لا يكون له أكثر من حال واحدة، إلا أن يعطف بعض الأحوال على بعض، ولا يكون حالا من الذين لهذا المعنى انتهى. وما ذكره من أن ذا الحال إذا لم يكن متعددا لا يقتضي أكثر من حال واحدة، مسئلة خلاف فمن النحويين من أجاز ذلك. وقيل : من الذين هادوا بيان الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ «٤» لأنهم يهود ونصارى، وقوله : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ «٥»
(١) سورة النساء : ٤/ ٦.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٧٧.
(٣) سورة غافر : ٤٠/ ٢٩.
(٤) سورة آل عمران : ٣/ ٢٣، وسورة النساء : ٤/ ٤٤ و٥١.
(٥) سورة النساء : ٤/ ٤٥. [.....]