البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٧٥
بزعمهم هذا إثما مبينا من بين سائر آثامهم انتهى. فجعل افتراءهم الكذب مخصوصا بالتزكية، وذكرنا نحن أنّه في هذا وفي غيره، وانتصاب إثما على التمييز، ومعنى مبينا أي :
بينا واضحا لكل أحد.
وقال ابن عطية : وكفى به خبر في ضمنه تعجب وتعجيب من الأمر، ولذلك دخلت الباء لتدل على معنى الأمر بالتعجب أن يكتفي لهم بهذا الكذب إثما، ولا يطلب لهم غيره، إذ هو موبق ومهلك انتهى. وفي ما ذكر من أن الباء دخلت لتدل على معنى الأمر بالتعجب نظر، وقد أمعنا الكلام في قوله.
وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا «١» فيطالع هناك : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ أجمعوا أنّها في اليهود. وسبب نزولها أنّ كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وجماعة معهما وردوا مكة يحالفون قريشا على محاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا : أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلانا من مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم، ففعلوا. وقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد؟ فقال كعب :
ماذا يقول محمد؟ قالوا : يأمر بعبادة اللّه وحده، وينهى عن الشرك. قال : وما دينكم؟ قالوا :
نحن ولاة البيت نسقي الحاج، ونقري الضيف، ونفك العاني، وذكروا أفعالهم. فقال :
أنتم أهدى سبيلا. وفي بعض ألفاظ هذا السبب خلاف قاله ابن عباس. وقال عكرمة، خرج كعب في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد، والكتاب هنا التوراة على قول الجمهور، ويحتمل أن يكون التوراة والإنجيل.
والجبت والطاغوت صنمان كانا لقريش قاله : عكرمة وغيره. أو الجبت هنا حيي، والطاغوت كعب، قاله : ابن عباس أيضا. أو الجبت السحر، والطاغوت الشيطان، قاله :
مجاهد، والشعبي وروي عن عمر والجبت الساحر، والطاغوت الشيطان قاله : زيد بن أسلم. أو الجبت الساحر، والطاغوت الكاهن، قاله : رفيع وابن جبير. أو الجبت الكاهن، والطاغوت الشيطان، قاله : ابن جبير أيضا. أو الجبت الكاهن، والطاغوت الساحر، قاله :
ابن سيرين. أو الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن قاله : قتادة. أو الجبت كعب، والطاغوت الشيطان كان في صورة انسان، أو الجبت الأصنام وكل ما عبد من دون اللّه،

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٤٥.


الصفحة التالية
Icon