البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٨٩
النضير في الجاهلية تدي من قتلت وتستقيه إذا قتلت قريظة منهم، فأبت قريظة لما جاء الإسلام، وطلبوا المنافرة، فدعا المؤمنون منهم إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ودعا المنافقون إلى بردة الكاهن، فنزلت. وقال الحسن : احتكم المنافقون بالقداح التي يضرب بها عند الأوثان فنزلت. أو لسبب اختلافهم في أسباب النزول اختلفوا في الطاغوت. فقيل : كعب بن الأشرف. وقيل : الأوثان. وقيل : ما عبد من دون اللّه. وقيل : الكهان.
وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ جملة حالية من قوله : يريدون، ويريدون حال، فهي حال متداخل. وأعاد الضمير هنا مذكرا، وأعاده مؤنثا في قوله : اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها. وقرأ بها هنا عباس بن الفضل على التأنيث، وأعاد الضمير كضمير جمع العقلاء في قوله : أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ «١».
وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً ضلالا ليس جاريا على يضلهم، فيحتمل أن يكون جعل مكان إضلال، ويحتمل أن يكون مصدر المطاوع يضلهم، أي : فيضلون ضلالا بعيدا. وقرأ الجمهور : بما أنزل إليك وما أنزل مبنيا للمفعول فيهما. وقرىء : مبنيا للفاعل فيهما.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً قرأ الحسن : تعالوا بضم اللام. قال أبو الفتح : وجهها أنّ لام الفعل من تعاليت حذفت تخفيفا، وضمت اللام التي هي عين الفعل لوقوع واو الجمع بعدها. ولظهر الزمخشري حذف لام الكلمة هنا بحذفها في قولهم : ما باليت به بالة، وأصله : بالية كعافية. وكمذهب الكسائي في آية، أن أصلها أيلة فحذفت اللام. قال : ومنه قول أهل مكة : تعالي بكسر اللام للمرأة. وفي شعر الحمداني :
تعالي أقاسمك الهموم تعالي والوجه : فتح اللام انتهى. وقول الزمخشري : قول أهل مكة تعالي يحتمل أن تكون عربية قديمة، ويحتمل أن يكون ذلك مما غيرته عن وجهه العربي فلا يكون عربيا. وأما قوله في شعر الحمداني فقد صرّح بعضهم بأنه أبو فراس، وطالعت ديوانه جمع الحسين بن خالويه فلم أجد ذلك فيه. وبنو حمدان كثيرون، وفيهم عدة من الشعراء، وعلى تقدير ثبوت ذلك في شعرهم لا حجة فيه، لأنه لا يستشهد بكلام المولدين. والظاهر من قوله : رأيت

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٥٧. [.....]


الصفحة التالية
Icon