البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٩١
يراد بالإعراض الهجر والقطيعة، فإنّ قوله : وعظهم يمنع من ذلك. وعظهم : أي خوفهم بعذاب اللّه وازجرهم، وأنكر عليهم أن يعودوا لمثل ما فعلوا.
والقول البليغ هو الزجر والردع. قال الحسن : هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق. ويتعلق قوله : في أنفسهم بقوله : قل على أحد معنيين، أي : قل لهم خاليا بهم لا يكون معهم أحد من غيرهم مسارا لأنّ النصح إذا كان في السرّ كان أنجح، وكان بصدد أن يقبل سريعا. ومعنى بليغا : أي مؤثرا فيهم. أو قل لهم في معنى أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم ما يزجرهم عن العود إلى ما فعلوا.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : بم تعلق قوله : في أنفسهم؟ (قلت) : بقوله : بليغا أي : قل لهم قولا بليغا في أنفسهم، مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما، ويستشعرون منه الخوف استشعارا، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق، وأطلع قرنه، وأخبرهن أنّ ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند اللّه، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين. وما هذه المكافة إلا لإظهاركم الإيمان، وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيت انتهى كلامه. وتعليقه في أنفسهم بقوله : بليغا لا يجوز على مذهب البصريين، لأن معمول الصفة لا يتقدّم عندهم على الموصوف. لو قلت : هذا رجل ضارب زيدا لم يجز أن تقول : هذا زيدا رجل ضارب، لأن حق المعمول ألا يحل إلا في موضع يحل فيه العامل، ومعلوم أن النعت لا يتقدّم على المنعوت، لأنه تابع، والتابع في ذلك بمذهب الكوفيين. وأما ما ذكره الزمخشري بعد ذلك من الكلام المسهب فهو من نوع الخطابة، وتحميل لفظ القرآن ما لا يحتمله، وتقويل اللّه تعالى ما لم يقله، وتلك عادته في تفسيره وهو تكثير الألفاظ. ونسبة أشياء إلى اللّه تعالى لم يقلها اللّه تعالى، ولا دل عليها اللفظ دلالة واضحة، والتفسير في الحقيقة إنما هو شرح اللفظ المستغلق عند السامع مما هو واضح عنده مما يرادفه أو يقاربه، أو له دلالة عليه بإحدى طرق الدلالات. وحكي عن مجاهد أن قوله : في أنفسهم متعلق بقوله : مصيبة، وهو مؤخر بمعنى التقديم، وهذا ينزه مجاهد أن يقوله، فإنه في غاية الفساد.