البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٠٤
وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الخطاب لعسكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن جريج وابن زيد في آخرين : لمن ليبطئن هم المنافقون، وجعلوا من المؤمنين باعتبار الجنس، أو النسب، أو الانتماء إلى الإيمان ظاهرا. وقال الكلبي : نزلت في عبد اللّه بن أبي وأصحابه. وقيل : هم ضعفة المؤمنين. ويبعد هذا القول قوله : عند مصيبة المؤمنين قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً «١» وقوله : كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ «٢» ومثل هذا لا يصدر عن مؤمن، إنما يصدر عن منافق. واللام في ليبطئن لام قسم محذوف التقدير : للذي واللّه ليبطئن. والجملتان من القسم وجوابه صلة لمن، والعائد الضمير المستكن في ليبطئن.
قالوا : وفي هذه الآية رد على من زعم من قدماء النحاة أنه لا يجوز وصل الموصول بالقسم وجوابه إذا كانت جملة القسم قد عريت من ضمير، فلا يجوز جاءني الذي أقسم باللّه لقد قام أبوه، ولا حجة فيها لأنّ جملة القسم محذوفة، فاحتمل أن يكون فيها ضمير يعود على الموصول، واحتمل أن لا يكون. وما كان يحتمل وجهين لا حجة فيه على تعيين أحدهما، ومثل هذه الآية قوله تعالى : وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ «٣» في قراءة من نصب كلا وخفف ميم لما أي : وأن كلا للذي ليوفينهم على أحسن التخاريج. وقال ابن عطية : اللام في ليبطئن لام قسم عند الجمهور. وقيل : هي لام تأكيد بعد تأكيد انتهى.
وهذا القول الثاني خطأ. وقرأ الجمهور : ليبطئن، بالتشديد. وقرأ مجاهد : ليبطئن بالتخفيف. والقراءتان يحتمل أن يكون الفعل فيهما لازما، لأنهم يقولون : أبطأ وبطأ في معنى بطؤ، ويحتمل أن يكون متعديا بالهمزة أو التضعيف من بطؤ، فعل اللزوم المعنى أنه يتثاقل ويثبط عن الخروج للجهاد، وعلى التعدّي يكون قد ثبط غيره وأشار له بالقعود، وعلى التعدي أكثر المفسرين.
فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً المصيبة :
الهزيمة. سميت بذلك لما يلحق الإنسان من العتب بتولية الإدبار وعدم الثبات. ومن العرب من يختار الموت على الهزيمة وقد قال الشاعر :
إن كنت صادقة كما حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم ونجا برأس طمره ولجام

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٧٢. [.....]
(٢) سورة النساء : ٤/ ٧٣.
(٣) سورة هود : ١١/ ١١١.


الصفحة التالية
Icon