البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١
النصارى وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «١»، وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوة فينا من قريش لأنهم أمّيّون، ونحن أهل كتاب، وهذا تجوير للّه تعالى. انتهى.
ثم قال : وقيل : اختلافهم في نبوة محمد عليه السلام، حيث آمن به بعض وكفر بعض، وقيل : اختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى، ومنهم من آمن بعيسى. انتهى.
والذي يظهر أن اللفظ عام في الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وأن المختلف فيه هو :
الإسلام، لأنه تعالى قرر أن الدين هو الإسلام، ثم قال : وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي : في الإسلام حتى تنكبوه إلى غيره من الأديان.
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ الذي هو سبب لاتباع الإسلام، والاتفاق على اعتقاده، والعمل به، لكن عموا عن طريق العلم وسلوكه بالبغي الواقع بينهم من الحسد، والاستئثار بالرياسة، وذهاب كل منهم مذهبا يخالف الإسلام حتى يصير رأسا يتبع فيه، فكانوا ممن ضل على علم. وقد تقدّم ما يشبه هذا من قوله وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ «٢».
بَغْياً بَيْنَهُمْ وإعراب : بغيا، فإنه أتى بعد إلّا شيئان ظاهرهما أنهما مستثنيان، وتخريج ذلك : فأغنى عن إعادته هنا.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ هذا عام في كل كافر بآيات اللّه، فلا يخص بالمختلفين من أهل الكتاب، وإن جاءت الجملة الشرطية بعد ذكرهم.
وآياته، هنا قيل : حججه، وقيل : التوراة والإنجيل وما فيهما من وصف نبينا صلى اللّه عليه وسلم.
وقيل : القرآن، وقال الماتريدي : أي من المختلفين.
وتقدّم تفسير : سريع الحساب، فأغنى عن إعادته، وهذه الجملة جواب الشرط، والعائد منها على اسم الشرط محذوف تقديره : سريع الحساب له.
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ الضمير في : حاجوك، الظاهر أنه يعود على الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وقال أبو مسلم : يعود على جميع الناس، لقوله بعد وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ وقيل : يعود على نصارى نجران، قدموا المدينة للمحاجة. وظاهر
(١) سورة التوبة : ٩/ ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢١٣.