البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١١
والزجاج : هو معطوف على سبيل اللّه أي : في سبيل اللّه، وفي خلاص المستضعفين. وقرأ ابن شهاب : في سبيل المستضعفين بغير واو عطف. فإما أن يخرج على إضمار حرف العطف، وإما على البدل من سبيل اللّه أي : في سبيل اللّه سبيل المستضعفين لأنه سبيل اللّه تعالى. وأجاز الزمخشري أن يكون : والمستضعفين منصوبا على الاختصاص يعني :
واختص من سبيل اللّه خلاص المستضعفين، لأن سبيل اللّه عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه انتهى كلامه. ولا حاجة إلى تكلف نصبه على الاختصاص، إذ هو خلاف الظاهر.
ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال قريش وأذاهم، إذ كانوا لا يستطيعون خروجا، ولا تطيب لهم على الأذى إقامة. ومن المستضعفين : عبد اللّه بن عباس وأمه، وقد دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنجاة للمستضعفين من المؤمنين وسمى منهم :
الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. وقوله : من الرجال والنساء والولدان تبيين للمستضعفين.
والظاهر أنّ الولدان المراد به الصبيان، وهو جمع وليد. قيل : وقد يكون جمع ولد، كورل وورلان. ونبه على الولدان تسجيلا بإفراط ظلم من ظلمهم، وهم غير مكلفين ليتأذى بذلك آباؤهم، ولأنهم كانوا يشركون آباءهم في الدعاء طلبا لرحمة اللّه تعالى، وتخليصهم من أذى الكفار. وهم أقرب إلى الإجابة حيث لم تكن لهم ذنوب كما فعل قوم يونس، وكما هي السنة في خروج الصبيان في الاستسقاء. وقيل : المراد بقوله من الرجال والنساء الأحرار، وبالولدان العبيد لأنه يطلق على العبد وليد، وعلى الأمة وليدة وغلب المذكر على المؤنث إذ درج المؤنث في جمع المذكر والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا ليس لهم من القوة والمنعة من الظلم إلا بالدعاء والاستنصار باللّه تعالى، والقرية هنا مكة بإجماع.
وتكلموا في جريان الظالم وهو مذكر على القرية وهو مؤنث، وهذا من واضح النحو.
وقال الزمخشري : لو أنث فقيل : الظالمة، أو جمع فقيل : الظالمين، وأجاب عن ذلك وهذا لم يقرأ به، فيحتاج إلى الكلام فيه. ولو تعرضنا لما يجوز في العربية في تراكيب القرآن لطال ذلك وخرجنا به عن طريقة التفسير. ووصف أهلها بالظلم إمّا لإشراكهم، وإمّا لما حصل منهم من شدة الوطأة على المؤمنين وإذلالهم.
قال ابن عطية : والآية تتناول المؤمنين والأسرى، وحواضر الشرك إلى يوم القيامة