البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١٤
بتقدير الاستقبال. وهذه الآية مشكلة لأن فيها ظرفين أحدهما : لما مضى، والآخر : لما يستقبل انتهى. والذي نختاره مذهب سيبويه في لمّا، وأنها حرف. ونختار أنّ إذا الفجائية ظرف مكان يصح أن يجعل خبرا للاسم المرفوع بعده على الابتداء، ويصح أن يجعل معمولا للخبر. فإذا قلت : لما جاء زيد إذا عمرو قائم، يجوز نصب قائم على الحال. وإذا حرف يصح رفعه على الخبر، وهو عامل في إذا. وهنا يجوز أن يكون إذا معمولا ليخشون، ويخشون خبر فريق. ويجوز أن يكون خبرا، ويخشون حال من فريق، ومنهم على الوجهين صفة لفريق. ومن زعم أنّ إذا هنا ظرف زمان لما يستقبل فقوله فاسد، لأنه إن كان العامل فيها ما قبلها استحال، لأن كتب ماض، وإذا للمستقبل. وإن تسومح فجعلت إذا بمعنى إذ صار التقدير : فلما كتب عليهم القتال في وقت خشية فريق منهم، وهذا يفتقر إلى جواب لما، ولا جواب لها. وإن كان العامل فيها ما بعدها، احتاجت إلى جواب هو العامل فيها، ولا جواب لها. والقول في إذا الفجائية : أهي ظرف زمان؟ أم ظرف مكان؟ أم حرف مذكور في علم النحو؟ والكاف في كخشية اللّه في موضع نصب. قيل : على أنه نعت لمصدر محذوف أي : خشية كخشية اللّه. وعلى ما تقرر من مذهب سيبويه أنها على الحال من ضمير الخشية المحذوف، أي : يخشونها الناس أي : يخشون الخشية الناس مشبهة خشية اللّه.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : ما محل كخشية اللّه من الإعراب؟ (قلت) : محلها النصب على الحال من الضمير في يخشون، أي : يخشون الناس مثل أهل خشية اللّه أي :
مشبهين لأهل خشية اللّه. أو أشد خشية، يعني : أو أشد خشية من أهل خشية اللّه. وأشد معطوف على الحال. (فإن قلت) : لم عدلت عن الظاهر وهو كونه صفة للمصدر ولم تقدره : يخشون خشية اللّه، بمعنى مثل ما يخشى اللّه؟ (قلت) : أبى ذلك قوله : أو أشد خشية، لأنه وما عطف عليه في حكم واحد. ولو قلت : يخشون الناس أشدّ خشية لم يكن إلا حالا عن ضمير الفريق، ولم ينتصب انتصاب المصدر، لأنك لا تقول : خشي فلان أشد خشية، فتنصب خشية وأنت تريد المصدر، إنما تقول : أشد خشية فتجرها، وإذا نصبتها لم يكن أشد خشية إلا عبارة عن الفاعل حالا منه، اللهم إلا أن تجعل الخشية خاشية على حد قولهم : جد جده، فتزعم أن معناه يخشون الناس خشية مثل خشية أشدّ خشية من خشية اللّه. ويجوز على هذا أن يكون محل أشدّ مجرورا عطفا على خشية اللّه، يريد : كخشية اللّه أو كخشية أشدّ خشية منها انتهى كلامه. وقد يصح نصب خشية، ولا يكون تمييزا فيلزم من


الصفحة التالية