البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١٧
بتوهم أنه نطق به. وذلك أنه متى كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ فإنه يجوز في المضارع بعده وجهان : أحدهما : الجزم على الجواب. والثاني : الرفع. وفي توجيه الرفع خلاف، الأصح أنّه ليس الجواب، بل ذلك على التقديم والتأخير، والجواب محذوف. وإذا حذف الجواب فلا بد أن يكون فعل الشرط ماضي اللفظ، فتخريج هذه القراءة على هذا يأباه كون فعل الشرط مضارعا. وحمله على ولا ناعب ليس بجيد، لان ولا ناعب عطف على التوهم، والعطف على التوهم لا ينقاس. وقال الزمخشري أيضا ويجوز أن يتصل بقوله :
وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «١» أي : لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها. ثم ابتدأ بقوله : يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، والوقف على هذا الوجه أينما تكونوا انتهى كلامه. وهذا تخريج ليس بمستقيم، لا من حيث المعنى، ولا من حيث الصناعة النحوية. أما من حيث المعنى فإنه لا يناسب أن يكون متصلا بقوله : ولا تظلمون فتيلا، لأن ظاهر انتفاء الظلم إنما هو في الآخرة لقوله : قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى «٢» وأما من حيث الصناعة النحوية فإنه على ظاهر كلامه يدل على أنّ أينما تكونوا متعلق بقوله : ولا تظلمون، ما فسره من قوله أي : لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم الحرب أو غيرها، وهذا لا يجوز، لأن أينما اسم شرط، فالعامل فيه إنما هو فعل الشرط بعده. ولأن اسم الشرط لا يتقدم عليه عامله، فلا يمكن أن يعمل فيه، ولا تظلمون. بل إذا جاء نحو : اضرب زيدا متى جاء، لا يجوز أن يكون الناصب لمتى اضرب. فإن قال : يقدّر له جواب محذوف يدل عليه ما قبله وهو : ولا تظلمون، كما يقدر في اضرب زيدا : متى جاء، فالتقدير : أينما تكونوا فلا تظلمون فتيلا أي : فلا ينقص شيء من آجالكم وحذفه لدلالة ما قبله عليه. قيل له : لا يحذف الجواب إلا إذا كان فعل الشرط بصيغة الماضي، وفعل الشرط هنا مضارع. تقول العرب : أنت ظالم إن فعلت، ولا تقل أنت ظالم إن تفعل. وقرأ نعيم بن ميسرة : مشيدة بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا، كما قال : قصيدة شاعرة، وإنما الشاعر ناظمها.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قال ابن عباس : الضمير للمنافقين واليهود، وقال الحسن : للمنافقين، وقال السدي :
لليهود. والظاهر أنه للمنافقين لأن مثل هذا لا يصدر من مؤمن، واليهود لم يكونوا في طاعة

_
(١) سورة النساء : ٢/ ٧٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٧٧.


الصفحة التالية
Icon