البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٢٦
الوصف واللفظ، وإما في المعنى بتناقض أخبار، أو الوقوع على خلاف المخبر به، أو اشتماله على ما لا يلتئم، أو كونه يمكن معارضته. والقرآن العظيم ليس فيه شيء من ذلك، لأنه كلام المحيط بكل شيء مناسب بلاغة معجزة فائتة لقوى البلغاء، وتظافر صدق أخبار، وصحة معان، فلا يقدر عليه إلا العالم بما لا يعلمه أحد سواه.
قال ابن عطية : فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافا فالواجب أن يتهم نظره، ويسأل من هو أعلم منه. وما ذهب إليه بعض الزنادقة المعاندين من أنّ فيه أحكاما مختلفة وألفاظا غير مؤتلفة فقد أبطل مقالتهم علماء الإسلام، وما جاء في القرآن من اختلاف في تفسير وتأويل وقراءة وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وعام وخاص ومطلق ومقيد فليس هو المقصود في الآية، بل هذه من علوم القرآن الدالة على اتساع معانيه، وأحكام مبانيه.
وذهب الزجاج إلى أنّ الضمير في فيه عائد على ما يخبره به اللّه تعالى مما يبيتون ويسرون، والمعنى : أنّك تخبرهم به على حد ما يقع، وذلك دليل على أنه من عند اللّه غيب من الغيوب. وفي ذكر تدبر القرآن ردّ على من قال من الرافضة : إن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ
روى مسلم من حديث ابن عباس عن عمر :«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما اعتزل نساءه، فدخل عمر المسجد فسمع الناس يقولون :
طلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه، فدخل على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله : أطلقت نساءك؟ قال : لا. فخرج فنادى : ألا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يطلق نساءه، فنزلت»
.
وكان هو الذي استنبط الأمر، وروى أبو صالح عن ابن عباس : أن الرسول كان إذا بعث سرية من السرايا فغلبت، أو غلبت، تحدثوا بذلك وأفشوه ولم يصبروا حتى يكون هو المحدث به، فنزلت.
والضمير في :
جاءهم على المنافقين، قاله ابن عباس والجمهور. أو على ناس من ضعفة المؤمنين قاله :
الحسن والزجاج. ولم يذكر الزمخشري غيره أو عليهما نقله ابن عطية، أو على اليهود قاله بعضهم. والأمر من الأمن أو الخوف فوز السرية بالظفر والغنيمة، أو الخيبة والنكبة، فيبادرون بإفشائه قبل أن يخبر الرسول بذلك. أو ما كان ينزل من الوحي بالوعظ بالظفر، أو بتخفيف من جهة الكفار، كان يسر النبي عليه السلام ذلك إليهم فيفشونه، وكان في ذلك مضرّة على المسلمين، أو ما يعزم عليه النبي من الوداعة والأمان لقوم، والخوف الخبر يأتي.
أنّ قوما يجمعون للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيخاف المسلمون منهم قاله : الزجاج، والماوردي، وأبو سليمان الدمشقي. وقال ابن عطية : المعنى أنّ المنافقين كانوا يشرئبون إلى سماع ما يسوء


الصفحة التالية
Icon