البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٣
نازعوك فقل : الدليل عليه أني أسلمت وجهي للّه، فهذا تمام الوفاء بلزوم الربوبية والعبودية، فصح أن الدين الكامل الإسلام، وأيضا فالآية مناسبة لقول إبراهيم لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ
«١» أي : لا تجوز العبادة إلّا لمن يكون نافعا وضارا وقادرا على جميع الأشياء، وعيسى ليس كذلك، وأيضا فهذه إشارة إلى طريقة إبراهيم عليه السلام إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ : أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٢» وروي هذا عن ابن عباس. انتهى ما لخص من كلام الرازي. وليس أواخر كلامه بظاهرة من مراد الآية ومدلولها.
وفتح الياء : من : وجهي، هنا، وفي الأنعام نافع، وابن عامر، وحفص، وسكنها الباقون.
وَمَنِ اتَّبَعَنِ قيل : من، في موضع رفع، وقيل : في موضع نصب على أنه مفعول معه، وقيل : في موضع خفض عطفا على اسم اللّه.
ومعناه : جعلت مقصدي بالإيمان به، والطاعة له، ولمن اتبعني بالحفظ له، والتحفي بتعلمه، وصحته.
فأما الرفع فعطفا على الفاعل في : أسلمت، قاله الزمخشري، وبدأ به قال : وحسن للفاصل، يعنى أنه عطف على الضمير المتصل، ولا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلّا في الشعر، على رأي البصريين. إلّا إن فصل بين الضمير والمعطوف، فيحسن. وقاله ابن عطية أيضا، وبدأ به. ولا يمكن حمله على ظاهره لأنه إذا عطف على الضمير في نحو : أكلت رغيفا وزيد، لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف، وهنا لا يسوغ ذلك، لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم وهو صلى اللّه عليه وسلم وجهه للّه، وإنما المعنى :
أنه صلى اللّه عليه وسلم أسلم وجهه للّه، وهم أسلموا وجوههم للّه، فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول، لا مشارك في مفعول : أسلمت، التقدير : ومن اتبعني وجهه.
أو أنه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه، ومن اتبعني كذلك، أي : أسلموا وجوههم للّه، كما تقول : قضى زيد نحبه وعمرو، أي : وعمرو كذلك. أي : قضى نحبه.
ومن الجهة التي امتنع عطف : ومن، على الضمير إذا حمل الكلام على ظاهره دون
(١) سورة مريم : ١٩/ ٤٢.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٣١.