البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧٦
يكونوا على حق. فذكر تقبيح الأوصاف، والتوعد عليها بالعقاب، مما ينفر عنها، ويحمل على التحلي بنقائضها من الإيمان بآيات اللّه وإجلال رسله وأتباعهم.
وقرأ الحسن : ويقتلون النبيين، بالتشديد، والتشديد هنا للتكثير بحسب المحل وقرأ حمزة، وجماعة من غير السبعة : ويقاتلون الثاني. وقرأها الأعمش : وقاتلوا الذين، وكذا هي في مصحف عبد اللّه. وقرأ أبيّ : يقتلون النبيين والذين يأمرون، ومن غاير بين الفعلين فمعناه واضح إذا لم يذكر أحدهما على سبيل التوكيد، ومن حذف اكتفى بذكر فعل واحد لأشتراكهم في القتل، ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وإبراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع، لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة على من وقع به الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالمعروف من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان.
وقيل : يحتمل أن يراد بأحد القتلين تفويت الرّوح، وبالآخر الإهانة وإماتة الذكر، فيكونان إذ ذاك مختلفين.
وجاء في هذه السورة بِغَيْرِ حَقٍّ بصيغة التنكير، وفي البقرة بِغَيْرِ الْحَقِّ «١» بصيغة التعريف، لأن الجملة هنا أخرجت مخرج الشرط، وهو عام لا يتخصص، فناسب أن يكون المنفي بصيغة التنكير حتى يكون عاما، وفي البقرة جاء ذلك في صورة الخبر عن ناس معهودين، وذلك قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ «٢» فناسب أن يأتي بصيغة التعريف، لأن الحق الذي كان يستباح به قتل الأنفس عندهم كان معروفا، كقوله وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «٣» فالحق هنا الذي تقتل به الأنفس معهود معروف، بخلاف ما في هذه السورة.
وقد تقدّم في البقرة أن قوله : بِغَيْرِ الْحَقِّ «٤» هي حال مؤكدة، إذ لا يقع قتل نبي إلّا بغير الحق، وأوضحنا لك ذلك. فأغنى عن إعادته وإيضاحه هنا.
ومعنى : من الناس، أي : غير الأنبياء، إذ لو قال : ويقتلون الذين يأمرون بالقسط، لكان مندرجا في ذلك الأنبياء لصدق اللفظ عليهم، فجاء من الناس بمعنى : من غير الأنبياء. قال الحسن : تدل الآية على أن القائم بالأمر بالمعروف تلي منزلته في العظم منزلة الأنبياء. وعن أبي عبيدة بن الجراح، قلت يا رسول اللّه : أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟

_
(٤ - ٢ - ١) سورة البقرة : ٢/ ٦١.
(٣) سورة المائدة : ٥/ ٤٥.


الصفحة التالية
Icon