البحر المحيط، ج ٣، ص : ٨٧
الملك على سبيل الاستحقاق من يقوم به، ولا تنزعه إلّا ممن فسق، يدل عليه لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «١» إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ «٢» جعل الاصطفاء سببا للملك، فلا يجوز أن يكون ملك الظالمين بإيتائه وقد يكون : وقد ألزمهم أن لا يتملكوه، فصح أن الملوك العادلين هم المخصوصون بايتاء اللّه الملك، وأما الظالمون فلا.
أما النزع فبخلافه، فكما ينزعه من العادل لمصلحة، فقد ينزعه من الظالم.
وقال القاضي عبد الجبار : الإعزاز المضاف إليه تعالى يكون في الدين بالإمداد بالألطاف ومدحهم وتغلبهم على الأعداء، ويكون في الدنيا بالمال وإعطاء الهيبة. وأشرف أنواع العزة في الدين هو الإيمان، وأذل الأشياء الموجبة للذله هو الكفر، فلو كان حصول الإيمان والكفر من العبد لكان إعزاز العبد نفسه بالإيمان وإذلاله نفسه بالكفر أعظم من إعزاز اللّه إياه وإذلاله، ولو كان كذلك كان حظه من هذا الوصف أتم من حظه سبحانه، وهو باطل قطعا.
وقال الجبائي : يذل أعداءه في الدنيا والآخرة، ولا يذل أولياءه وان أفقرهم وأمرضهم وأخافهم وأحوجهم إلى غير ذلك، لأن ذلك لعزهم في الآخرة بالثواب أو العوض فصار كالفصد يؤلم في الحال ويعقب نفعا. قال : ووصف الفقر بكونه ذلا مجازا، كقوله أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «٣» وإذلال اللّه المبطل بوجوه بالذم واللعن، وخذلانهم بالحجة والنصرة، وبجعلهم لأهل دينه غنيمة، وبعقوبتهم في الآخرة.
بِيَدِكَ الْخَيْرُ أي : بقدرتك وتصديقك وقع الخير، ويستحيل وجود اليد بمعنى الجارحه للّه تعالى.
قيل : المعنى : والشر، نحو : تقيكم الحرّ، أي والبرد. وحذف المعطوف جائز لفهم المعنى، إذ أحد الضدين يفهم منه الآخر، وهو تعالى قد ذكر إيتاء الملك ونزعه، والإعزاز والإذلال، وذلك خير لناس وشر لآخرين، فلذلك كان التقدير : بيدك الخير والشر، ثم ختمها بقوله إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فجاء بهذا العام المندرج تحته الأوصاف السابقة، وجمع الخيور والشرور، وفي الاقتصار على ذكر الخير تعليم لنا كيف نمدح بأن نذكر أفضل الخصال.
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٢٤.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٧.
(٣) سورة المائدة : ٥/ ٥٤.