البحر المحيط، ج ٤، ص : ١٢١
أمية الزهري، وقيل : كتابا نعاينه حتى ينزل، وسمي من سائلي اليهود : كعب بن الأشرف، وفنحاص بن عازوراء. وقيل : السائلون هم اليهود والنصارى وسؤالهم إنما هو على سبيل التعنت. وقال الحسن : لو سألوه لكي يتبين الحق لأعطاهم، فإن فيما أعطاكم كفاية.
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً قدروا قبل هذا كلاما محذوفا، فجعله الزمخشري شرطا هذا جوابه وتقديره : إن استكبرت ما سألوه منك، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك. وقدره ابن عطية : فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشطيطهم، فإنها عادتهم، فقد سألوا موسى. وأسند السؤال إليهم، وإن كان إنما وقع من آبائهم من نقبائهم السبعين، لأنهم راضون بفعل آبائهم ومذاهبهم، ومشابهون لهم في التعنت. وقرأ الحسن : أكثر بالثاء المثلثة بدل الباء في قراءة الجمهور، ومعنى جهرة : عيانا رؤية منكشفة بينة. والجهرة من وصف الرّوية. واختلف في النقل عن ابن عباس فروى عنه :«أن جهرة من صفة السؤال، فقد سألوا موسى. أو حالا من ضمير سألوا أي : سألوه مجاهرين. وروي عنه أن التقدير : فقالوا جهرة منه وتصريحا أرنا اللّه، فيكون من صفة القول.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ أي : تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه. وقال الزمخشري : بظلمهم بسبب سؤالهم الرؤية، ولو طلبوا أمرا جائزا لما سموا ظالمين، ولما أخذتهم الصاعقة. كما سأل ابراهيم عليه السّلام أن يريه إحياء الموتى فلم يسمه ظالما، ولا رماه بالصاعقة للمشبهة ورميا بالصواعق انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في استحالة رؤية اللّه عندهم. وأهل السنة يعتقدون أنهم لم يسألوا محالا عقلا، لكنه ممتنع من جهة الشرع، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا، والرؤية في الآخرة ثابتة عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالتواتر، وهي جائزة عقلا، وتقدّم الكلام في البقرة على الصاعقة. وقرأ السلميّ والنخعي : فأخذتهم الصعقة، والجمهور الصاعقة.
ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ثم : للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر، ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل : أي آباؤهم، والذين صعقوا غير الذين اتخذوا العجل. والبينات : إجازة البحر، والعصا، وغرق فرعون، وغير ذلك. وقال الحوفي : أعلم نبيه بعنادهم وإصرارهم فالمعنى : أنه لو نزل عليهم الذي سألوا لخالفوا أمر اللّه كما خالفوه من بعد إحياء اللّه لهم من صعقتهم، وعبدوا العجل واتخذوه إلها.
فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ أي : عن اتخاذهم العجل إلها عن جميع ما تقدم من مخالفتهم.